الفساد والدمار فتشيع العداوة والبغضاء ، ويذهب الأمن والأمان ويستولي على النفوس الانتقام فتزداد الأمراض والآفات ، فيتغيّر خلق الله فلا يسلم فرد أو مال من أن تصيبه آفة أو هلاك ، وهذا هو معنى قوله تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) وقد شهد التاريخ كثيرا من ذلك وتكفي واحدة من تلك العبر للاعتبار ، وهو من ملاحم القرآن الكريم الذي صدع به ونبه المسلمين إليه.
وإطلاق الآية الشريفة يشمل المحق والإرباء بالنسبة إلى الآثار الدنيوية والآثار الاخروية فلا تختص بعالم دون عالم فإنّ الله تعالى محيط بجميع العوالم.
كما أنّه لا يختص بمحق ثواب الأعمال التي يعرض عنها المرابي باشتغاله بالربا أو التي يبطلها التصرف في مال الربا كأنواع العبادات كما يقول به بعض المفسرين بل يعم ذلك والآثار الدنيوية كما عرفت.
وقال بعض المفسرين : إنّ المراد بقوله تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) أنّ ما يطلبه المرابي من الربا بزيادة المال إنّما هو لأجل اللذة والبسطة في الجاه والمكانة والعيش الهنيء ولكن يصل إلى عكس هذه النتيجة من الهموم والأحزان والحب الشديد للمال والوله بجمعه ، ومقت الناس له ، والمبارزة مع من يريد صرفه عن ذلك فهو حينئذ قد فقد الانتفاع بما يريد من ماله فيكون كمن محق ماله وهلك.
وما ذكره صحيح ، ولكن ذلك أثر خاص فردي ، والقرآن إنّما يبحث عن هذه المسألة بما أنّها من موجبات هلاك النوع وما يفسد صلاح الاجتماع ، فهو يبيّن حكما عاما يؤثر في سعادة الإنسان نوعه وفروعه ، وهذا هو شأن القرآن الكريم في أحكامه وتكاليفه فيرشد إلى موجبات سعادة الفرد بما أنّه من ضمن الاجتماع كما يسعى إلى سعادة الاجتماع بما أنّه متكوّن من الأفراد فلا هو يتكلّم عن الفرد ولا هو يسكت عنه ، وهذا هو دأب هذا الكتاب العزيز.
ثم إنّه يصح نسبة المحق إلى البركة وإلى أصل المال ، وكذا إرباء