الإنسان إلى حقائق واقعية يجب دراستها ومعالجتها وليست هي أمورا وهمية كما يدعيها بعض المفسرين. وقد تقدم في التفسير ما يرتبط بذلك وسيأتي في الآيات المناسبة تفصيل الكلام.
الثالث : يدل قوله تعالى : (كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) على أنّ بعض الحوادث في الإنسان تستند إلى امور خارجة عن إدراكه كالملك مثلا ، ففي مورد الآية الشريفة يستند الجنون والصرع إلى مس الشيطان وفعله وبما أنّه من الجن وفرد من أفراده فيكون للجن ضرب في بعض الأمراض التي تصيب الإنسان ويدل على ذلك بعض الآيات الشريفة قال تعالى حكاية عن أيوب (عليهالسلام) : (نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) [ص ـ ٤١] ، والمراد من النصب والعذاب هو المرض بقرينة قوله تعالى : (رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء ـ ٨٣].
والمرض تارة : يكون له أسباب طبيعية وتكوينية معروفة واخرى أسباب غير مدركة للحس كالشيطان والجن ونحو ذلك من الأسباب فلا يمكن إنكار ذلك بمجرد عدم إمكان إدراك السبب كما يدعيه الماديون ، وقد ذكرنا مرارا أنّ الأسباب جميعها ترجع إلى الله تعالى فهو مسبب الأسباب وإن جرت عادته عزوجل على أن لا يجري الأمور الا بأسبابها وإنكار هذا الأمر ممن ينكر وراء الطبيعة ليس ببعيد. ولكن لا ينقضي العجب من بعض المفسرين الذي ينكر هذا التشبيه في الآية الشريفة ويعتبره من قبيل المجاراة مع عامة الناس في بعض اعتقاداتهم الفاسدة ولا ضير في ذلك فإنّه تشبيه خال عن الحكم وقال : بأنّ استناد الجنون إلى الشيطان وتسليطه على الإنسان يخالف عدله عزوجل. ولكن بعد الإحاطة بما ذكرناه يظهر فساد ما ذكره فإنّ الله تعالى أجل من أن يذكر الباطل في كلامه من دون أن يظهر بطلانه ويبيّن فساده.
واعتبار كونه مخالفا لعدله عزوجل مردود فإنّ حكمته اقتضت أن يمتحن عباده بأمثال ذلك ويجري في الامتحان بالأسباب الطبيعية كالأمراض والجنون بسبب طبيعي فما يقوله فيه يجري في المقام أيضا.
الرابع : يدل قوله تعالى : (لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ