وقد أنزل معهم الكتاب والحكمة التي تحتوي على المعارف الإلهية والأحكام الشرعية التي تبتني على حكم ومصالح نوعية تجلب السعادة والخير للإنسان ويصل بها إلى الكمال المطلق ، وقد تكفلت لجميع جوانب الإنسان الفردية والنوعية ولم يهمل أمرا من الأمور الجزئية ، وجعل العمل بها من أجزاء الإيمان الصحيح والوصول إلى السعادة في الدارين. وأما إذا أهملها وخالف حل في البلاء والشقاء وسلب السعادة عن نفسه.
ومن الموضوعات التي اعتنى بها الشرع القويم الربا وقد حرّمه الله تعالى وشدّد النكير عليه وجعل آكله محاربا لله تعالى ولرسوله العظيم ، وبيّن سبحانه وتعالى في ضمن الآيات المتقدمة أمرين هامين لا بد من البحث حولهما وإمعان النظر فيهما لأنّهما يتكفلان جميع الآثار المترتبة على هذه الكبيرة الموبقة.
الأمر الأول : قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ). والآية الشريفة تضع الحد الفاصل في كلّ ما يقال في هذا الأمر الخطير ، وترشدنا إلى حقيقة من الحقائق القرآنية التي تبيّن الوضع الإنسانيّ عند انتشار ظاهرة الربا في المجتمع ، وهي من ملاحم القرآن العظيم ، وتحدد سلوك الإنسان وأفعاله وأفكاره ، وتبيّن أنّ الربا يمنع الإنسان من القيام بالوظيفة التي قرّرها العقل والفطرة ، ويخرجه عن حالته الطبيعية المستقيمة الرشيدة ، فلا يكون فكره صحيحا منتجا ولا فعله متضمنا للخير والنفع وشبّه سبحانه وتعالى حال الإنسان المتعاطي للربا بحال المصروع الذي خرج عن الاستقامة والاستواء في أفكاره وأقواله وأفعاله ، وهو تشبيه واقعي حقيقي. فهو قد سلب عن نفسه تلك الحالة الهنيئة المطمئنة الآمنة القويمة ، وصار قرين المشاكل والآلام والانهيار الفكري ، وترشد الآية الكريمة إلى معنى أبعد من ذلك وهو أنّ الإنسان مع الربا لا يكون فكره قويما ومستقيما فلا تفيده النظريات والقوانين التي يجعلها لحلّ مشاكله ولجلب السعادة إليه ، فهي لا تكون منتجة ، بل هي مجرد أوهام تسكن إليها النفس برهة من الزمن لتخفّف عنها ما تكابده ولكنّها تعود بأشد مما كانت أولا بعد ما