يرى عدم جدواها ، وهذا هو الجانب المهم الذي يرشد إليه القرآن الكريم ، ويؤكد ذلك إتيان ضمير الجمع في قوله تعالى : (لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ) يعني أنّ المجتمع الذي حلّ فيه الربا لا يمكنه النهوض بالأمر والتأثير في رفع المشكلات فضلا عن الأفراد ، وقد اتضح صدق ما أفاده القرآن ، فنرى في عالمنا المعاصر بعد انتشار الربا عقم النظريات والقوانين التي وضعت في رفع المشكلات ، ولا يشك أحد من الباحثين أنّ عالمنا المعاصر مع ما فيه من وسائل الراحة والتمتع من الحياة لكنّه من أشد الأوقات بعدا عن الحقيقة والواقع والعيش الهنيء.
الأمر الثاني : قوله تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ). والآية ترشدنا إلى أنّ الربا يلازمه أثر آخر مهم في حياة الإنسان وهو سلب الكمال عن الأشياء وذلك لأنّ لكلّ شيء طرفي كمال ونقص ، والإنسان بفطرته يسعى إلى الكمال ، فهذا المال بجميع أصنافه من النقود والأمتعة ونحوهما قد استخدمه الإنسان لرفع حوائجه المادية ويستعين به في أموره الأخروية فهو محور المعاملات وعليه تدور المعاوضات ، ووضع قواعد وقوانين تحدّد التعامل به ، وجعل الكمال فيه هو رفع الحوائج بالعدل والإنصاف وإشباع الرغبات على الوجه الأحسن ، واعتبر التعدّي عن القواعد المضروبة والقوانين المقرّرة ظلما وعدوانا.
والقرآن الكريم يبيّن أنّ الله تعالى يمحق بسبب الربا جميع الآثار المحبوبة لديه عزوجل المترتبة على المال من البركات ، وإقامة المعروف وسدّ جوعة الفقراء إلى غير ذلك مما هو كثير ، وهذا هو المراد بالمحق الإلهي فيما يشاء.
وأما تكدس الأموال في هذا العالم من الربا فلا يكون محقا بالنظر الأوّلي بالنسبة إلى المرابي وغيره ، وإن كان بالنظر الحقيقي الواقعي هو محق أيضا ، كما قال تعالى : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [التوبة ـ ٥٥].
وبالجملة : إنّ الله تبارك وتعالى يمحق بالربا الإنسانية الكاملة فردا ونوعا