والمستفاد من الآية الشريفة : أنّ السفر عذر من الأعذار المانعة من الكتابة والإشهاد فلا يكون شرطا لصحة الرهن ، وإنّما ذكره تعالى بالخصوص ، لأنّه الغالب في الأعذار لقلة الكتابة والكاتب في الأعصار القديمة لا سيما في السفر. كما أنّ عدم الكاتب والإشهاد ليس شرطا لصحة الرّهن فهو مشروع وصحيح مع تحققهما وثبوتهما فإنّ الاستيثاق مرغوب إليه وحسن ولا يختص بحال دون أخرى.
ثم إنّه وقع الكلام في أنّ القبض شرط في صحة الرهن أو في لزومه أو لا يشترط فيه القبض والظاهر من الآية المباركة هو الأول ويدل عليه بعض الروايات وقد ذكرنا تفصيل الكلام في كتاب الرهن من (مهذب الأحكام).
والرهن لا يخرج بالرهانة عن ملك الراهن بل هو باق على ملكه وللمرتهن استيفاء حقه منه عند حلول الأجل وعدم وفاء الراهن للدّين فتكون منافع العين المرهونة للراهن دون المرتهن ولا يجوز لكلّ من الراهن والمرتهن التصرف في العين المرهونة الا بإذن الآخر كما نسب إلى نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف» والتفصيل موكول إلى الفقه.
قوله تعالى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ).
أي : وإن اعتمد بعضكم على بعض وكان من عليه الحق أمينا عند الدائن ولم يطلب منه وثيقة فإنّه يجب أن يؤدي المدين دينه كاملا ولا يجحده ولا يغيّر منه شيئا ، ويستفاد من قوله تعالى : (أَمانَتَهُ) عموم الحكم لكلّ أمانة ومنها الدّين فتشمل الوديعة والقرض ونحوهما ، فيكون المورد من تطبيق الكبرى على أحد المصاديق نظرا لعموم العلّة.
قوله تعالى : (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ).
أي : وليتق المدين الله ربّه في أمر حقوق الناس ويتنزه عن مخالفة أحكامه فلا يخوننّ في الأمانة ولا يجحدها بعد فقدان الوثيقة بينهما فإنّ الله تعالى به عليم وهو مالك أمره في الدنيا والآخرة.