قوله تعالى : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).
«آثم» خبر إنّ «وقلبه» فاعل ، أو «آثم» مبتدأ و «قلبه» فاعل سد مسد الخبر والجملة خبر (إنّ).
وكيف كان ففي قوله عزوجل من الفصاحة والبلاغة ما لا يخفى وهو من بديع البيان يكشف عن الضمير الإنساني بعد ارتكابه الآثام والموبقات ، فإنّ القلب بمنزلة القوة المدبرة للإنسان وهو مبدأ الشعور والتعقل ترجع إليه أحاسيسه ومنه تصدر إرادته وحركاته ، إذ ليس المراد من القلب اللحم الصنوبري الموجود في كلّ متنفس. ويصلح الجسد بصلاح القلب كما يفسد بفساده فإذا كان خاليا عن ظلمات الآثام ومصفّى من كدورات المادة كان الإنسان صالحا مراقبا لنفسه متبعا لأوامر الله تعالى ومنتهيا بنواهيه متزنا في أفعاله وأقواله ، وأما إذا كان فاسدا فلا يرجى منه الخير وقد طبع عليه وحينئذ لا يشعر بالحسن والقبح فيكون أصل الشر ومبعثا على الفساد فلا تصدر أفعاله عن فكر وروية صالحة تنفعه في الدنيا والآخرة.
ومن ذلك يعلم الوجه في نسبة الإثم إلى القلب فإنّ فساد المبدإ والأصل موجب لفساد غيره ، ويستفاد منه تغليظ الإثم أيضا وإنّما قال تعالى : «آثم» دون الفعل للدلالة على أنّ الإثم متمكن في القلب ودائم بدوام الإثم وكتمان الشهادة من الكباير ، وقبحه العقلي ثابت عند كلّ أحد فإنّ في كتمان الشهادة وقوع الظلم والضرر على الناس وتضييع لحقوقهم وهدر لكرامتهم ، والجملة فيه خيانة على مصلحة النوع.
قوله تعالى : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).
أي : والله عليم بنواياكم وأعمالكم يجازيكم عليها فلا بد من مراقبة النفس والأعمال.