والآية المباركة بمجموعها تدل على كيفية المعاشرة مع المرأة المعتدة بعدة الوفاة والتحدث معها في أمر الزواج فاعتبر الشارع أن يكون التحدث معها موافقا مع الحشمة والحياء ولا ينافي الآداب العامة ويخدشها ، فرخص التعريض وكريم الخطاب ، فإنّ المرأة في هذه الحالة لم تكن مسلوبة الحقوق والأحكام سوى أنّها تعمل ببعض الواجبات احتراما للزوج المتوفّى.
وفي الآية الشريفة رد لعادات كانت سائدة في عصر النزول من منع التحدث معهنّ واعتباره من الأمور المستهجنة جدّا لا سيّما إذا كان في أمر الزواج. ومن المؤسف جدّا أنّ بعض تلك العادات السيئة الجاهلية متبعة عند بعض المجتمعات الإسلامية ، ولا بد من الرجوع إلى تعاليم الإسلام فإنّ فيها الهداية والسعادة.
وهذه الآية وما بعدها قرينة على أنّ موردها هو المعتدات بعدة الوفاة لا مطلق العدة فتكون اللام في قوله تعالى : (مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) للعهد دون جنس العدة ، كما لا يخفى.
قوله تعالى : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ).
العزم والعزيمة بمعنى عقد القلب على إمضاء الشيء وهذه المادة كثيرة الاستعمال في القرآن الكريم قال تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) [آل عمران ـ ١٥٩] ، وقال تعالى : (إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان ـ ١٧] ، وقال تعالى : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف ـ ٣٥] ، أي الذين لهم قدم ثابت وراسخ في هذا المقام الذي تزل فيه الأقدام حتّى من الأنبياء العظام. وفي السنة المقدسة : «خير الأمور عوازمها» أي ما وكدت نفسك عليه في مرضاة الله تعالى.
والعقدة من العقد بمعنى الشدّ وهما والعهد بمعنى واحد ، وفي الآية استعارة بليغة حيث شبه عقد النّكاح بالعقدة التي يعقد بها أحد الحبلين بالآخر ، وجعلها أمرا قلبيا لبيان أنّ هذه الأمور من الاعتبارات العقلائية التي يقوم عليها نظام المجتمع.