أمّا لو كان الحديث المزعوم لم يصدر عن النبي صلىاللهعليهوآله أبداً ، أي ان موضوع الحكم أو الفتوى التي يصدرها الفقيه ، اذا كانت مبنية على أساس ان الحديث ضعيف أو مطعون فيه أو مشكوك بأمره ، فإن هذه الفتوى هي أقرب للصواب من الفتوى المبنية على أساس ان هذا الحديث صحيح أو حسن أو يستيغه الفقيه لأي سبب من الأسباب ، فيأتي الحكم غير مشروع وهو أقرب للبدعة.
كما ان الامام الشافعي لما ردّ المُرسل ، وخالف من تقدّمه ، اضطربت أقواله ، حسب اعتراف أقرانه من علماء أهل السُنّة ، فمرّة ، قال : المُرسل ليس بحجة مطلقاً ، إلا مراسيل سعيد بن المسيب ، ثم اضطر الى ردّ مراسيل ابن المسيب نفسه ، ثم الى الأخذ بمراسيل آخرين ، ثم قال بحجّية المُرسل عند الاعتقاد ، ولذلك تعب أمثال البيهفي في التخلّص من هذا الاضطراب ، وفي مسند الشافعي نفسه مراسيل كثيرة (١).
وما من شك ان هذا الاضطراب والتردّد ، وعدم اتخاذ موقف حاسم من المراسيل ، إنما يُنبئ عن طبيعة الامام الشافعي نفسه ، التي لا تثبت على موقف فقهي معيّن ، ولا قاعدة محدّدة ، كما هو ديدنه في تحوّلاته بين الحجاز والعراق ومصر. فهو عندما تبنّى مدرسة الرأي في العراق ، قلّل من اهتمامه بالحديث ، خاصة المراسيل منه ، ولكنه عندما حلّ في مصر ، رجع الى مدرسة الحديث ، واهتم بالمراسيل أكثر من قبل ، مُركّزاً على الحديث الصحيح والحسن في نظره.
الشافعي والقرآن الكريم
كان الشافعي ، وهو الذي عاش في القرن الثاني من الهجرة ، يقول بانه لا يحل
__________________
(١) نصب الراية ـ الزيلعي ١ : ٢٣.