بل ان القول بأن دين الله في مجموع المذاهب الاسلامية كلها وليس في واحد منها ، هي دعوة للمسلمين بتقليد كل المذاهب الاسلامية الموجودة على مرّ العصور حتى يكونوا على الاطلاع الكامل بالأحكام الاسلامية التي يضمّها الدين الاسلامي ، وهي خطوة مستحيلة ، وبذلك يضطر المسلمون لتقليد مذهب اسلامي واحد وان كان ناقصاً ومقصّراً ومبتوراً.
مفاسد الاختلاف
أما الامام الغزالي الذي عاش في القرن الخامس الهجري فيؤمن بتفشي الاختلافات ، ليس على مستوى الاختلاف الفقهي فحسب وإنما امتد ليطال الاختلافات العقائدية التي وضع أمامها كبار علماء الجمهور خطاً أحمر ، باعتبارها غير مشروعة في الدين الاسلامي. يقول الغزالي (ت ٥٠٥ هـ) : فأكب الناس على علم الكلام ، وزعموا ان غرضهم الذبّ عن دين الله ، والنضال عن السُنّة وقمع المبتدعة ، ... لما كان قد تولّد من فتح بابه من التعصّبات الفاحشة ، والخصومات الفاشية المُفْضية الى إرهاق الدماء وتخريب البلاد. فترك الناس الكلام وفنون العلم وانثالوا على المسائل الخلافية (١).
فكيف يحث لصاحب كتاب (دفاع عن العقيدة والشريعة) أن يدّعي بأن خلافاً فقهياً ونظرياً نشب بين مذاهب السُنّة نفسها ، بل بين أتباع المذهب الواحد منها ، ومع ذلك فقد حال العقلاء دون تحوّل هذا الخلاف الى خصام ، بارداً كان أو ساخناً؟
أو الذي يزعم بأن كرام الائمة من السلف كانوا يلتزمون بآداب الاختلاف ،
__________________
(١) إحياء الدين ـ الغزالي ١ : ٧١.