الأخذ بالرأي بكل ضروبه (١) ، بمعنى ان الرأي غير مشروع في اعتقاد مدرسة المالكي ، ومن المسلّم به أنه اذا كان أتباع مدرسة فقهية ما ، لا يرون مشروعية لقواعد يتمسّك بها أتباع مدرسة أخرى ، أن يطعنوا في الاحكام الصادرة عن تلك المدرسة الى حد التسقيط أو حتى التكفير ، مادامت تلك الاحكام الفقهية مبنية على أساس تلك القواعد التي يتبناها أصحاب المدرسة نفسها لأنها مقبولة في نظرهم على الأقل.
وهذا يدل على ان الاختلاف ـ أساساً ـ لا يُعتبر رحمة أو نعمة ـ كما يدّعي البعض ـ مادام كل صاحب مدرسة فقهية أو مذهب فقهي يتّهم المدارس الأخرى بلا مشروعية بعض قواعدها الفقهية ، سواء كانت سُنّة نبوية مشكوكاً بضعفها وصحّتها ، أو القياس والرأي ، أو المصالح المرسلة أو قواعد أخرى معروفة.
الاختلاف .. نعمة أم عذاب أليم!؟
هذا الاتهام والطعن والتشكيك يفضي الى نشوء اختلافات ونزاعات بين أتباع هذه المدرسة وتلك ، أو هذا المذهب وذاك ، ثم تتحول هذه النزاعات ـ بديهياً ـ الى شقاق وصراع مذهبي مدمّر.
ولذلك فإن من أكبر الأخطاء أن يزعم بعض مفكّري الجمهور ان البعض قد حوّل الاختلاف الذي كان في نظره ، نعمة أثرت الفقه الاسلامي ، إلى عذاب أليم ، وصار عاملاً من أخطر عوامل الفرقة والتناحر بين المسلمين ، وتحوّل الى نقمة بدّدت الكثير من طاقات الأمّة فيما لا جدوى منه ، وشغلتها بأمور جانبية كان لا ينبغي أن تنشغل بها (٢).
__________________
(١) أدب الاختلاف ٨١ ـ ٨٢.
(٢) أدب الاختلاف ١٣٥ ـ ١٣٦.