بعد أن صحّت الأحاديث
فلِمَ إذن ، تمسّك فقهاء أهل السُنّة والجماعة بالرأي والقياس والقواعد الأخرى رغم اتضاح صحة الكثر من السُنّة النبوية على يد أصحاب الجرح والتعديل ، وعلى رأسهم يحيى بن معين وعبد الرحمن بين المهدي والقطان؟ ثم ألم تكن أقوال الأئمة المأثورة عنه : قولنا صواب يحتمل الخطأ ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب ، وقولهم : إذا صحّ الحديث ، فهو مذهبي ، واضربوا بقولي عرض الحائط ، وكل واحد يُؤخذ منه ويردّ عليه ، إلا الرسول (صلى الله عليه وسلم)؟ (١).
إن هؤلاء الفقهاء والمجتهدين ، وفي مقدمتهم فقهاء المذاهب الأربعة ، لم يصلوا إلى قناعة تامة في العديد من استنتاجاتهم الفقهية ، نظراً لعدم غربلة الحديث النبوي ، ليتبيّن الصحيح القاطع من الضعيف الواهي والسقيم ، ولذلك رأى أولئك الفقهاء قصوراً في الحديث لا يملأه إلا الاعتماد على أقوال الصحابة والقواعد الفقهية الموضوعة من قبلهم ، من أمثال الرأي والقياس والاستحسان وغيره ، ولم يصلوا الى اليقين في الكثير من أحكامهم ، على أمل أن يأتي غيرهم ، ويبحثوا ويدقّقوا في الحديث النبوي ، والتوصّل الى الحقائق الفقهية المجهولة ، وعليه فكان الفقهاء لا يحبّذون تقليدهم ، ويحذّرون تلامذتهم وأتباعهم من استنساخ أحكامهم وفتاواه ، وإنما حثّوهم على البحث والتنقيب والتقصّي ، وعدم التقليد والجمود على تلك الفتاوى التي يحتمل الكثير منها ، الخطأ والصواب ، لأن الكثير منها مبني على الحدس والظن والرأي فحسب ، غير ان هؤلاء التلاميذ والأتباع ، لم يطيعوا أساتذتهم واقتبسوا تلك المسائل وكأنها نصوص مقدّسة لا يمكن المساس بها أو نقدها ، مع اتضاح الكثير من الاحاديث التي كانت مبثوثة
__________________
(١) فيض القدير ـ المناوي : ٣١٠.