البداية ... البعثة المظفرة
من الغريب أن يصرّ البعض على أن لا يصلح آخر الأمّة إلا بما صلح أولها ... (١) وتساؤلنا الوجيه : لو صلح أول الأمّة ، وسارت على الصلاح والاستقامة ، لما آلت أمورها إلى هذا المنعطف الخطير؟ فلابد أن نتحرّى عن العوامل التأريخية لهذا الانحطاط ، فالاسلام كان من المفروض أن يعمّ كل أرجاء المعمورة ... فلِمَ توقّف وانحسرت شركته ، وأصبحت أمّته مطمع كل الأعداء الذين يفترسون أشلاءها من كل جهة.
ومه كل هذه الهواجس التي انتابتنا ، قرّرنا المضي في كشف كل الاوراق والسجلات الخفية مهما كانت ضخمة ويعلوها الصدأ وتغطّيها الأثرية ، لأننا ومنذ اللحظة التي قرّرنا فيها توخّي الحقيقة مهما كانت صعبة ومؤلمة ، صرنا لا يعمني كل مقدّس حتى يثبت لنا بالشواهد والأدلة الدامغة ، أنه حقاً مقدس ، لا كما تعلّمناها من الآباء والاجداد الذين ربما كانوا مخطئين في حساباتهم وقناعاتهم التي ورثوها عن أجدادهم.
قمنا بالقراءة والتحليل مجدّداً ، وتصفحنا التأريخ بإمعان ، بلا انحياز إلى هذا المذهب أو ذاك ، او الى هذه الفرقة او تلك ... فتوصلنا إلى حقائق مذهلة ورهيبة ، ونتائج باهرة ، فعزمنا على تدوينها لكي ينتفع بها المسلمون الباحثون عن الحقيقة ، وهم أحرار في الحكم على التأريخ ، لكن الحقيقة الكبرى تبقى كالشمس الساطعة ، وليس لنا ولا للآخرين أن يغطّوها بأكفهم مهما حاولوا ـ إمعاناً في تقليد الآباء والأجداد.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ
__________________
(١) الفتاوى الكبرى ـ ابن تيمية ٣ : ٥٨.