وإذا كان البعض أو الكثير من اتباع عليّ وشيعته ، لا يتقيدون بوصاياه وأوامره ، أو يعصونه مباشرة بالرغم من اعتقادهم الراسخ بأنه وصي الرسول وخليفته والامام من بعده ، فهذا ليس غريباً منهم ، لأن الكثير من المسلمين في عهد رسول الله ، كانوا يعصون أوامر الله ورسوله صلىاللهعليهوآله وهو بين ظهرانيهم ، وكان الله تعالى يوبخهم في قرآنه الكريم ، مع انهم كانوا يؤمنون بالله وبكتابه وبرسوله.
بين تيار الخلفاء وأتباع أهل البيت النبوي
وبعد رحيل عليّ ، بدأ عهد جديد ، وتصدّى خلفاء وحكام ، يتلاعبون برعاياهم المسلمين ، ويبدّلون أحاكم الله كما يبدّلون قمصانهم والبستهم ، ولم يكن لأحد من الرعايا حق الردّ أو الاعتراض ، فالرعية وبضمنها العلماء والفقهاء ، عليها الإصغاء للخلفاء باعتبارهم أمراء للمؤمنين ، لا يحق لأحد تصحيح أو إصلاح مواقفهم وسلوكهم وممارساتهم الخرقاء ، وانما على المسلمين إطاعتهم وإن شطّوا عن تعاليم الاسلام وإبتعدوا عن القرآن والسُنّة النبوية ، فتهافت العلماء على اعتاب الحكام ، خوفاً أو طمعاً ، بينما لم نرَ أحداً من الحكام يدنو من أعتاب العلماء إلا نادراً ، وعليه أصبحت أحكام الله ، العوبة بيد أمراء المؤمنين ، يسخّرونها طبق أهوائهم ومصالحهم ومنافعهم الضيقة بما يكرّس «شرعية» حكمهم ويضفي عليه هالة من القداسة والشرعية ، تدعم استمراره وديمومته وهيمنته على رقاب المسلمين.
ويبدو أن الحكّام قد اقتدوا بفرعون الذي قال لقومه : مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (١) ، وكانت النتيجة الحتمية : فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ (٢).
__________________
(١) غافر ٢٩.
(٢) الزخرف ٥٤.