عليّ ورعاية الظروف الحرجة
سالَمَ علي الخليفة عمر ، ليس تنازلاً منه عن الخلافة التي هي مسؤولية إلهية مقدسة ، لو أتيحت له الظروف المؤاتية لمارسها بعد وفاة الرسول مباشرة ، لكن قريشاً ومن آزرها من المهاجرين والأنصار ، أبوا إلا أن يمنعوها عنه ، وليس لعليّ قوة مُساندة تدعمه لعودة الأمور إلى نصابها ، من أعوان مخلصين يعيدون الكفة إلى جانبها ، إلا قلة من الصحابة الذين وقفوا إلى جانبه غير انهم لا يستطيعون تغيير موازين القوى.
إن أيَّ موقف إستقزازي من عليّ في هذا النطاق ، سيثير الفتن والبلايا ويجرّ المِحن على الأمّة ، ولذا سالَم بانتظار الفرص السانحة لعودة الأمّة إلى رشدها وأوبتها إلى الطريق الذي رسمه الله ورسوله لها ، ثم ان علياً كان مُراقبا من قبل السلطة ، فضلاً عن بيعته المكرهة للخليفة الأول والثاني ، وأي موقف يشير إلى أحقيته للخلافة ، يؤجج الأوضاع ويحرّك بعض الصحابة والجماهير باتجاه كشف الحقائق ، ويؤدي إلى التفافهم حوله مما يُحرّك السلطة لقمع هذا التحرّك المحدود وتقويضه وتصفية أفراده ، ومن بينهم عليّ نفسه ، مما يؤول بالأمور إلى ما لا يُحمد عقباه ، وتفلت الأمور باتجاه انقسامات وصراعات تقوّض الدولة الإسلامية من أساسها ، وربما تستغل الزعامات القرشية من الطلقاء والمؤلفة قلوبهم والمنافقين ، لتسلّم الحكم ، وهي ـ بالطبع ـ أسوأ من الخليفة الاول والثاني بكثير ، مما يؤدي إلى محق الاسلام بالكامل وإزالته من الوجود.
كل تلك الاحتمالات كانت واردة وجدية ، وكان علي ليس مستعداً ـ وهو المُسدَّد من قبل الله ـ أن يتحرّك بما يسيء إلى مستقبل الأمّة ويعجِّل بانحرافها وسقوطها ـ تماماً ـ وتفتتها كالامم السابقة ، وانما مارس سياسة حكيمة .. بالغة الدقة للحفاظ على الامّة ولو بأقل شكل من أشكال الوحدة والتماسك حتى لا تنهار ـ فجأة ـ وهي الأمّة الخاتمة التي