ومسلم بالنسبة الى قلّة تكراره ، وحسن وضعه فهو يستوفي الوارد في الموضوع ثم لا يعود له بخلاف البخاري : ولكن جمهور الحفاظ وأهل الإتقان والغوص في أسرار الحديث على إن البخاري أفضل.
يقول الحاكم : ما تحت أديم السماء اصحّ من كتاب مسلم ، ووافقه علماء المغرب (١).
الاختلاف عند الجمهور : سائغ ومقبول
الخصومة في الدين ـ عند اهل السُنّة والجماعة ـ غير الاختلاف في فروعه التي لم يُنص عليها ، إذ ان الاختلاف ينشأ من الانبعاث الفكري ، والخصومة تنبعث من التعصّب ، فالاختلاف المخلص ينمّي العلم ، والخصومة تضيّعة.
وان الاختلاف الذي وقع في سلف هذه الأمّة ـ ولا يزال واقعاً ـ جزء من هذه الظاهرة الطبيعية ، فإن لم يتجاوز الاختلاف حدوده ، وإلتزمت آدابه ، كان ظاهرة إيجابية كثيرة الفوائد.
والآية الكريمة التي يعتمدها الجمهور السُنّي في مشروعية الاختلاف المذهبي ، قوله تعالى : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ (٢).
وبعض فوائد الاختلاف المقبول لدى أهل السُنّة والجماعة : رياضة للأذهان وتلاقح للآراء ، تعدّد الحلول أمام صاحب كل واقعة ليهتدي الى الحل المناسب. التعرّف على
__________________
(١) صحيح مسلم ـ مسلم بن الحجاج القشيري ٨ : ٢٥٢ ؛ مقدمة فتح الباري ـ ابن حجر العسقلاني : ٨ ؛ تأريخ بغداد ـ الخطيب البغدادي ١٣ : ١٠٢ ؛ تذكرة الحفاظ ٥٨٩ : ٢.
(٢) هود ١١٨ ـ ١١٩.