جميع الاحتمالات التي يمكن أن يكون الدليل رمى إليها بوجه من وجوه الأدلة ، تلك الفوائد وغيرها يمكن أن تتحقق إذا بقي الاختلاف ضمن الحدود والآداب التي يجب الحرص عليها ومراعاتها ، ولكنه إذا جاوز حدوده ... فيتحول الاختلاف من ظاهرة بناء الى معاول للهدم (١).
ان ما يذكره علماء أهل السُنّة والجماعة من اختلافات كان شأن جماهير الأمّة وغالبيتها العظمى ، حيث لا تتعدى الاختلافات ، القضايا الفقهية التي تضمحل وتزول حين يحتكم الى النصوص التي تعلو الشبهات من كتاب وسُنّة ، فيذعن الجميع للحق في ظل أدب نبوي ، كريم ، لأن سبب الخلاف لا يعدو أن يكون ، عدم وصول سُنّة في الأمر لأحدهم ، ووصولها للآخر ، أو اختلافاً في فهم النص أو في لفظه.
ولعل من فضل الله تعالى ـ حسب قول أهل السُنّة ـ أن جعل الجانب الفقهي في دائرة ما يجوز فيه الاختلاف ، وان أهل العلم أهل سعة وما برح المفتون يختلفون ، فيحلّل هذا ، ويحرّم هذا (٢).
وعليه فإن هذا يدلّنا على فقه عظيم وهو : ان الخلاف حاصل وواقع لاشك فيه ولا مندوحة عنه ، وقد صنّفت تصانيف لأسباب اختلاف الأئمة في الفروع ، طبق الآية الكريمة السابقة من سورة هود.
والاختلاف بين البشر ، أمر لا مفرّ منه ، وأسبابه متعدّدة ، وهو سُنّة كونية خلقها الباري تعالى لحكمة بالغة ، لذلك فإننا لا نستطيع أن نقضي على الاختلاف بين الناس قضاء كاملاً ، بل غاية ما يمكن أن نبلغه هو أن نضيّق من شقة الخلاف والعمل على
__________________
(١) أدب الاختلاف في الاسلام ـ الدكتور طه جابر العلواني : ٢٦ ـ ٢٧.
(٢) المصدر السابق. ٧٧.