ألم يروا الرسول إنْ كان يقرأ البسملة أم لا ، أو يقنت لصلاة الصبح أم لا؟ (١). مع علمهم ان الصلاة عمود الدين وفريضة من أهم الفرائض؟ هل هي اللامبالاة وعدم الاهتمام والإهمال أم هو النسيان والغفلة؟ وكيف يحث الرسول صلىاللهعليهوآله المسلمين على الاقتداء بالصحابة وانهم أفضل الناس بعده؟ وهذا هو حالهم ، إذ لم يتقيّدوا ، ويضبطوا الصلاة الواجبة بتفاصيلها الدقيقة؟
وإذا كان الاختلاف بين الصحابة قد بدأ في الصلاة اليومية التي أدّوها مع الرسول صلىاللهعليهوآله وفي مسجده لسنوات طويلة ، وهم ملازمون له ليلاً ونهاراً في اداء هذه الفريضة؟ فكيف يكون الاختلاف في الامور الدينية الأخرى التي هم فيها اقل لصوقاً به أو احتكاكاً سوى البعض منهم؟ لا ريب ان الاختلاف سيتخذ ـ حينئذ ـ منحى متصاعداً ويستفحل عند التابعين ومن تبعهم بعد ذلك؟
ـ ومن المستغرب أن يدّعي الشاطبي بان حكمة الله هي التي سمحت بأن تكون الفروع والجزئيات قابلة للاختلاف ، حيث اقتضت حكمة الله أن يترك منطقة ليست قليلة دون أن ينزل فيها نص ، وهي منطقة العفو ، حينما قال صلىاللهعليهوآله : «الحلال ما أحلّ الله في كتابه ، والحرام ما حرّم الله في كتابه ، وما سكت عنه فهو مما عفى عنه» أي سمح بالاجتهادات الفقهية الكثيرة ، حيث ان معظم الشريعة الصادرة عن الاجتهاد ، ولا تفي النصوص بعشر معشارها.
وأصبح الحديث دارجاً عن يسر الشريعة وسعتها ومرونتها (٢) ، ان هذه الاستنتاجات الساذجة ، تفتقر لأدنى معايير الموضوعية والمنطق ، فضلاً عن تعارضها مع
__________________
(١) أدب الاختلاف ، ص ١١٧ ـ ١١٨.
(٢) فقه الثوابت والمتغيرات ـ د. علي محي الدين القرداغي ـ مجلة الشريعة الأردنية ـ العدد ٤٩٠.