زحزحتها ، وإن القناعات والثوابت التي آمن بها المسلمون منذ قرون مديدة ، يجب أن تبقى كما هي دون تغيير.
ويستشهد هذا النمط من المسلمين ، لتبرير موقفهم السلبي من إعادة قراءة التأريخ ، خصوصاً في مراحله الاولى ، بالآية القرآنية الكريمة : تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١).
وقد غفل هؤلاء عن هذه الآية إنما تشير الى الامم السابقة للاسلام ، حيث إن ما كسبته تلك الامم ، من سيئات لا تدفع ثمنه الأُمّة الاسلامية التي تُحاسب على أعمالها فحسب.
ومع ذلك فإن هناك آيات قرآنية عديدة تحث المسلمين على أهميتها استقراء سِيَر الامم السابقة لأخذ العبرة منها ، في حين نحن بصدد الحديث عن أمّتنا الاسلامية في أوائل ظهورها ، إذ نحن لم نزل جزءا منها ، وما كسبته من أعمال وممارسات وانحرافات ، لم تزل تبعاتها تمسّ حياتنا يومياً ، فكيف نغضّ الطرف عن تلك ونسدل الستار على فترة أساسية من حياة الأمّة الاسلامية الحرجة ، لأن هناك من لا يروق له كشف الأوراق ، وقراءة التأريخ الاسلامي الاول من جديد ، خوفاً من زعزعة معتقداته التي بناها على أساس الواقع التأريخي المنقول بحذافيره من خلال المؤرخين وكتاّب التأريخ المنحازين الى هذا الطرف أو ذاك ، من مذاهب المسلمين ، وإن اعادة استقراء صفحات التأريخ ، ربما تقلب الموازين ، وتزعزع العقائد والقناعات التي سار عليها هذا المذهب أو ذاك ، وهذه الطائفة أو تلك.
فما الخشية من مثل هذه التوقعات ، مادمنا نحن طلّاب الحق الذي ينبغي أن نتّبعه
__________________
(١) البقرة ١٤١.