مصنّفاته.
ذكر في رسالة الفرقان الصحابة والتابعين لهم، وقال : معرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم، وذلك أنّ إجماعهم لا يكون إلاّ معصوماً (١) .
ثمّ قال : وأمّا المتأخّرون عنهم الذين لم يتحرّوا متابعتهم وسلوك سبيلهم ولا لهم خبرة بأقوالهم وبأفعالهم، بل هم في كثير ممّا يتكلّمون به في العلم ويعملون به ولا يعرفون طريق الصحابة والتابعين في ذلك من أهل الكلام والرأي والزهد والتصوّف، فهؤلاء تجد عمدتهم في كثير من الاُمور المهمّة في الدين إنّما هو عمّا يظنّونه من الإجماع، وهم لا يعرفون في ذلك أقوال السلف ألبتّة، أو عرفوا بعضها ولم يعرفوا سائرها، فتارة يحلّون الإجماع ولا يعلمون إلاّ قولهم وقول من ينازعهم من طوائف المتأخّرين طائفة أو طائفتين أو ثلاث، وتارة عرفوا أقوال بعض السلف، والأوّل كثير في مسائل اُصول الدين وفروعه.
كما تجد كتب أهل الكلام مشحونة بذلك، يحلّون إجماعاً ونزاعاً، ولا يعرفون ما قال السلف في ذلك ألبتّة، بل قد يكون قول السلف خارجاً عن أقوالهم.
كما تجد ذلك في مسائل أقوال الله وأفعاله وصفاته، مثل : مسألة القرآن، والرؤية، والقدر، وغير ذلك، وهم إذا ذكروا إجماع المسلمين لم يكن لهم علم بهذا الإجماع، فإنّه لو أمكن العلم بإجماع المسلمين لم يكن هؤلاء من أهل العلم به; لعدم علمهم بأقوال السلف، فكيف إذا كان المسلمون يتعذّر القطع بإجماعهم في مسائل النزاع، بخلاف السلف فإنّه
____________________
(١) مجموعة الفتاوى ١٣ : ١٧.