« أهر من » وحاصل شبهتهم أنّ في العالم خيرات وشرورا ، فلو كان مبدأ الخير والشرّ واحدا ، لزم كون الواحد خيّرا وشرّيرا وهو محال.
والجواب ـ على ما في كتب القوم ـ هو منع اللزوم إن أريد بالخيّر من غلب خيره ، وبالشّرير من غلب شرّه ، ومنع استحالة اللازم إن أريد خالق الخير وخالق الشرّ في الجملة ، غاية الأمر أنّه لا يصحّ إطلاق الشرّير عليه تعالى ؛ لظهوره فيمن غلب شرّه ، أو لعدم التوقيف من الشرع.
وهذا الجواب لا يحسم مادّة الشبهة ؛ إذ لهم أن يقرّروها بأنّ الله تعالى صرف الوجود ومحض الخيريّة ، فيمتنع أن يصدر عنه الشرّ الذي مناطه ليس إلاّ العدم على ما تقرّر في موضعه سواء كان الشرّ غالبا أو مغلوبا ؛ لامتناع صدور العدم وفيضانه من الوجود.
بل حقّ الجواب أن يقال : إنّ الشرور الذاتيّة ـ أعني الأعدام بما هي أعدام ـ لا تستدعي علّة موجودة ، بل علّتها عدم الوجود كما تقرّر في محلّه.
وأمّا التي هي شرور بالعرض ـ كمصادفة النار للثوب والقاطع للعضو ـ فهي من حيث كونها شرورا صادرة عن المبدأ الموجود الذي هو صرف الوجود بالعرض لا بالذات والمحال هو صدور الشرّ عن الخير المحض بالذات لا بالعرض ، هذا.
ونقل عن أرسطو (١) في دفع شبهة الثنويّة أنّ الأشياء على خمسة احتمالات : ما لا خير فيه ، وما لا شرّ فيه ، وما يتساويان فيه ، وما خيره غالب ، وما شرّه غالب. وذات الواجب بالذات لمّا لم يمكن أن يصير مبدأ للشرور وجب أن لا يصدر عنه إلاّ قسمان من هذه الأقسام ، أي ما لا شرّ فيه ، وما خيريّته غالبة ؛ لأنّ ترك الخير
__________________
(١) راجع « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٣١٩ ـ ٣٢٤ ؛ « القبسات » : ٤٣٢ ـ ٤٤٣ ؛ « الأسفار الأربعة » ٧ : ٦٨ ـ ٧٠ ؛ « شرح المنظومة » : ١٥٣ ـ ١٥٥.