الكثير لأجل الشرّ القليل شرّ كثير ، وأنّه قد تفاخر بذلك.
وتحقيقه ما ذكرنا ، وإلاّ لورد عليه أنّ صدور الشرّ عن الخير المحض إذا كان ممتنعا فسواء في ذلك قليله وكثيره. وأمّا إذا قلنا بامتناع الصدور بالذات دون بالعرض ، فيتفاوت القليل والكثير في ذلك ؛ لامتناع أن يكون ما بالعرض زائدا على ما بالذات ، أو مساويا له ، فليتدبّر.
ثمّ إنّ المذكور في حكمة الإشراق وشرحه (١) أنّ القول بالنور والظلمة كان طريقة أهل الإشراق من حكماء الفرس ، وهو رمز على الوجوب والإمكان ، لا أنّ المبدأ الأوّل اثنان : أحدهما نور ، والآخر ظلمة ؛ لأنّ هذا لا يقوله عاقل فضلا عن فضلاء فارس الخائضين غمرات العلوم الحقيقيّة ، ولهذا قال النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ في مدحهم : لو كان الدين بالثريّا ، لتناولته رجال من فارس (٢). وأنّ هذا الذي يقوله حكماء الفرس ليس قاعدة كفرة المجوس القائلين بظاهر النور والظلمة ، وأنّهما مبدءان أوّلان ؛ لأنّهم مشركون لا موحّدون. وليس أيضا الحادماني البابلي الذي كان نصرانيّ الدين ، مجوس الطين ، وإليه ينسب الثنويّة القائلون بإلهين : أحدهما إله الخير وخالقه ، والآخر إله الشرّ وخالقه ، هذا.
ومنهم في المشهور (٣) : الفلاسفة القائلون بامتناع أن يصدر عن الواحد إلاّ الواحد. وقد مرّ في مباحث الأمور العامّة.
وأمّا ما قيل أنّهم أنكروا أصل القدرة (٤) ، فلا معنى لعدّهم من منكري عمومها ،
__________________
(١) « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ٢ : ١١ ؛ « شرح حكمة الإشراق » لقطب الدين الشيرازي : ١٨ ـ ١٩ ؛ « شرح حكمة الإشراق » للشهرزوري : ٢٢ ـ ٢٤.
(٢) « قرب الإسناد » : ١٠٩ ، ح ٣٧٧ ؛ « حلية الأولياء » ٦ : ٦٤.
(٣) أي المشهور بين المتكلّمين. راجع « المحصّل » : ٤١٧ ؛ « كشف المراد » : ٢٨٣ ؛ « مناهج اليقين » : ١٦٢ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٦١ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٨٧.
(٤) هو ظاهر كلام بعض المتكلّمين ـ راجع « المحصّل » : ٣٧٢ وما بعدها ؛ « نقد المحصّل » : ٢٦٩ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٨٢ وما بعدها ؛ « مناهج اليقين » : ١٦١ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٩ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٩٦.