ففساده ظاهر ممّا مرّ إلاّ أن يكون مراده أنّهم منكرون للقدرة بالمعنى المتنازع فيه ، فليتأمّل.
وإنّما قلنا : « في المشهور » لأنّ التحقيق أنّ الحكماء وإن قالوا بالوسائط ، لكن لا مؤثّر عندهم في الحقيقة إلاّ الله ، والوسائط ليست إلاّ جهات الصدور والتأثير ، لا مؤثّرة بالاستقلال.
وناهيك في ذلك كلام بهمنيار في التحصيل حيث قال : فإن سألت الحقّ فلا يصحّ أن يكون علّة الوجود إلاّ ما هو بريء من كلّ الوجه من معنى ما بالقوّة وهذا هو صفة الأوّل تعالى لا غير ؛ إذ لو كان مفيدا لوجود ما فيه معنى ما بالقوّة سواء كان عقلا أو جسما كان للعدم شركة في إفادة الوجود ، وكان لما بالقوّة شركة في إخراج الشيء من القوّة إلى الفعل (١). انتهى.
وتحقيقه أنّ كلّ ممكن زوج تركيبيّ مشتمل على ما بالقوّة ولو بحسب الذات فقط ، وهو الذي له من جهة ذاته ، وعلى ما بالفعل ، وهو الذي له من جهة مبدئه الحقيقي ، فما يصدر منه إنّما يصدر من الجهة التي هي له من المبدأ ، لا من الجهة التي هي له من ذاته ؛ فإنّ ما له من ذاته ليس إلاّ العدم والقوّة ، فلو صدر عنه من هذه الجهة شيء لزم كون العدم والقوّة مؤثّرا في الوجود والفعليّة ، هذا.
ومنهم : النظّام (٢) وأتباعه القائلون بأنّه لا يقدر على خلق القبائح ؛ لإفضائه إلى الجهل والسفه ، تعالى عن ذلك.
ومنهم : القائل (٣) بأنّه لا يقدر على ما علم أنّه لا يقع ؛ لاستحالة وقوعه ، وكذا
__________________
(١) « التحصيل » : ٥٢١ ـ ٥٢٢.
(٢) « مقالات الإسلاميّين » ٢ : ٢٣٢ ؛ « الملل والنحل » ١ : ٥٤ ؛ « المحصّل » : ٤١٨ ؛ « كشف المراد » : ١٨٣ ؛ « مناهج اليقين » : ١٦٢ ؛ « أنوار الملكوت » : ٨٩ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٦٣ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٠٢ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٨٨.
(٣) القائل هو معمّر بن عبّاد السلميّ على ما في « شرح المقاصد » ٤ : ١٠٣ ، أو عبّاد بن سليمان الصيمريّ على ما في غيره. انظر : « مقالات الإسلاميّين » ١ : ٢٧٧ ؛ « المحصّل » : ٤١٩ ؛ « مناهج اليقين » : ١٦٣ ؛ « أنوار الملكوت » : ٩٠.