إلى كون ذاته تعالى نائبا عن الصفات (١) وهو محال ، وصفة العلم كذلك ، فيجب تحقّقه فيه من غير أن يكون زائدا على ذاته ليلزم تعدّد القدماء ، مضافا إلى ما مرّ وكون العينيّة كمالا بالنسبة إلى الزيادة ، ووجوب حصول كلّ كمال له تعالى.
ومنها : أنّ واجب الوجود واهب الكمال ومفيضه ومعطيه ، والمفيض لا يصلح أن يكون قاصرا عن ذلك الكمال إذا لم يوجب ما ذكر ، كما روي (٢) أنّ النمل يقول : إن لله زبانيتين ، فهو تعالى عالم بما كان وما هو كائن وما يكون على وجه هي عليه في نفس الأمر ؛ لكونه علّة تامّة لما سواه على ترتّب ونظام ، وكونه عالما بالعلم التامّ بذاته ، والعلم التامّ بالعلّة التامّة علّة تامّة للعلم بمعلولها ؛ إذ لا بدّ في كلّ علّة مستقلّة لمعلول أن يكون المعلول من لوازمه ، فالعلم بالعلّة التامّة يوجب العلم بالمعلول ، فعلمه تعالى بجميع ما عداه لازم لعلمه بذاته ، كما أنّ وجود ما عداه تابع لوجود ذاته.
فإن قلت : نحن عالمون بذواتنا التي هي علل لأفعالنا الآتية مع عدم علمنا بها قبلها.
قلت : ذواتنا ليست علّة مستقلّة لها ، بل محتاجة إلى دواع وأسباب خارجة ، بخلاف واجب الوجود ؛ فإنّه علّة مستقلّة لجميع معلولاته ، والداعي إلى الفعل ـ وهو العلم بالمصالح ـ عين ذاته ، غير مستفاد من خارج ، وغير محتاج إلى الآلات والأسباب ، مضافا إلى عدم علمنا بذواتنا بالكنه ، فلا يصحّ القياس بالناس.
وبيان كيفيّة هذا العلم على وجه لا يلزم منه تكثّر في ذاته ولا في صفاته الحقيقيّة ، ولا كونه فاعلا وقابلا ، ولا يبقى اشتباه بأنّ هذا العلم هل هو قبل الأشياء أو بعدها أو معها بأن لا يعلمها إلاّ حين وجودها ، فيكون لها فيه تأثير ، ويكون
__________________
(١) قالت به المعتزلة كما في « شرح الأصول الخمسة » : ١٨٢ وما بعدها. ونقل عنهم في « مقالات الإسلاميّين » ١ : ٢٤٤ وما بعدها ؛ « المحصّل » : ٤٢١ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٦٩ ـ ٧١.
(٢) « الأربعون حديثا » البهائي : ٨١.