بسببها بحال لم يكن قبل على ذلك الحال ، فلا يكون واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الصفات؟ أنّ الواجب تعالى هو المبدأ الفيّاض لجميع الحقائق والماهيّات ، فيجب أن يكون ذاته ـ مع بساطته وأحديّته ـ كلّ الأشياء ، ويكون لكلّ واحد منها وجود إجمالي في مرتبة ذات العلّة ، فتعقّله لذاته تعقّل لجميع ما سواه ، وتعقّله لذاته مقدّم على وجود جميع ما سواه ، فيكون علمه تعالى بجميع الأشياء حاصلا في مرتبة ذاته بذاته قبل وجود ما عداه ، بمعنى أنّه لا بدّ عند ملاحظة ذاته تعالى وتعقّله وإدراكه على وجه واقع من ملاحظة جميع الممكنات المستندة إليه ؛ فإنّ من الوجوه التي لذات الواجب تعالى كونه قادرا على إيجاد الأشياء الممكنة ومؤثّرا فيها على وجه هي عليها ، وعلى أحوال تكون عليها آنا فآنا ، فتعقّله على هذا الوجه مستلزم لتعقّل جميع الأشياء ، فجميعها موجود بالوجود التعقّلي في ضمن تعقّل الذات كوجود الابن بالوجود التعقّلي في ضمن تعقّل الأبوّة ، وليس المراد وجودها في مرتبة الذات بالوجود الخارجيّ الحقيقيّ ، كما يقوله المتصوّفة (١) ؛ فإنّ ذلك مستلزم لإمكان الواجب ، أو وجوب الممكن كما لا يخفى ، بل هو خلاف الضروريّ من المذهب ، بل الدين.
والحاصل : أنّ العلم على قسمين : حصوليّ ، وحضوريّ. والحضوريّ قد يكون بحضور المعلوم عند العالم مع التغاير بينهما.
وقد يكون بحضور علّة المعلوم عنده كذلك.
وقد يكون على الوجه الأوّل من غير تغاير ، بمعنى عدم غيبوبة المعلوم عن العالم كما في العلم بالذات.
وقد يكون على الوجه الثاني من غير تغاير بين العالم وعلّة المعلوم ، بمعنى عدم غيبوبة علّة المعلوم عن العالم ، وكون انكشاف علّة المعلوم بالكنه على وجه
__________________
(١) انظر « الأسفار الأربعة » ٦ : ١٨٢ ـ ١٨٧ ؛ « شرح المنظومة » ٢ : ٥٧٤ ـ ٥٧٥.