فإن جعلت هذه المعقولات أجزاء ذاته ، عرض الكثرة في ذاته تعالى ، وإن جعلتها لواحق ذاته ، عرض لذاته أن لا يكون من جهتها واجب الوجود ؛ لملاصقته ممكن الوجود.
وإن جعلتها أمورا مفارقة لكلّ ذات ، عرضت الصور الأفلاطونيّة ، وإن جعلتها موجودة في عقل ما أو نفس ما ، عرض أنّه لما كانت تلك الأشياء المرتسمة في ذلك الشيء من معلولات الأوّل ، فيدخل في جملة ما الأوّل يعقل ذاته مبدأ له ، فيكون صدورها عنه لا على أنّه إذا عقله خيرا وجد ؛ لأنّها نفس عقله للخير ، أو يتسلسل الأمر ؛ لأنّه يحتاج أن يعقل أنّها عقلت وكذلك إلى ما لا نهاية له ، وذلك محال ، فهي نفس عقله للخير ، فإذا قلنا لما عقلها : وجدت ولم يكن معها عقل آخر ولم يكن وجودها إلاّ أنّها تعقّلات ، فإنّا نكون كأنّا قلنا : لأنّه عقلها عقلها ، أو لأنّه وجدت عنه وجدت عنه ، فينبغي أن تجتهد جهدك في التخلّص عن هذه الشبهة ، وتتحفّظ أن لا يتكثّر ذاته ، ولا تبالي بأن تكون ذاته مأخوذة مع إضافة ما ممكنة الوجود ؛ فإنّها من حيث هي علّة لوجود زيد ليست بواجبة الوجود ، بل من حيث ذاتها ، وتعلم أنّ العالم الربوبيّ عظيم جدّا (١). انتهى.
فقوله : « ولا تبالي » صريح في اختيار هذا الشقّ. وأمّا بيان عدم المبالاة بلزوم كون ذاته تعالى من هذه الجهة ممكنة الوجود ، فسيأتي ، فتأمّل ليظهر لك أنّ ما قيل نظرا إلى هذا الكلام ـ من أنّ الشيخ في الشفاء متحيّر شاكّ في أمر هذه الصورة (٢) ـ توهّم محض.
وقال أيضا : اعلم أنّ المعنى المعقول قد يؤخذ من الشيء الموجود ، كما عرض أن أخذنا عن الفلك بالرصد والحسّ صورته المعقولة ، وقد يكون الصورة المعقولة
__________________
(١) « الشفاء » الإلهيّات : ٣٦٤ ـ ٣٦٦ ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.
(٢) انظر « الأسفار الأربعة » ٦ : ١٩٨.