غير مأخوذة من الموجود ، بل بالعكس ، كما أنّا نعقل صورة بنائيّة نخترعها ، ثمّ يكون تلك الصورة المعقولة محرّكة لأعضائنا إلى أن نوجدها ، فلا تكون وجدت ، فعقلناها ، ولكن عقلناها فوجدت ، ونسبة الكلّ إلى العقل الأوّل الواجب الوجود هو هذا ؛ فإنّه يعقل ذاته وما يوجبه ذاته ، ويعلم من ذاته كيفيّة كون الخير في الكلّ ، فيتبع صورته المعقولة صورة الموجودات على النظام المعقول عنده ، لا على أنّها تابعة اتّباع الضوء للمضيء والإسخان للحارّ ، بل هو عالم بكيفيّة نظام الخير في الوجود ، وأنّه منه ، وعالم بأنّ هذه العالميّة يفيض عنها الوجود على الترتيب الذي يعقله خيرا ونظاما (١).
ثمّ قال : ولا يظنّ أنّه لو كانت للمعقولات عنده صور وكثرة ، كانت كثرة الصور التي يعقلها أجزاء لذاته ، وكيف؟ وهي تكون بعد ذاته ؛ لأنّ عقله لذاته ذاته ، ومنه يعقل كلّ ما بعده ؛ فعقله لذاته علّة عقله ما بعد ذاته ؛ فعقله ما بعد ذاته معلول عقله لذاته ، على أنّ المعقولات والصور ـ التي له بعد ذاته ـ إنّما هي معقولة على نحو المعقولات العقليّة لا النفسانيّة ، وأنّ له إليها إضافة المبدأ الذي يكون عنه لا فيه ، بل إضافات على الترتيب بعضها قبل بعض ، وإن كانت معا لا تتقدّم ولا تتأخّر في الزمان ، فلا يكون هناك انتقال في المعقولات (٢).
وقال في التعليقات :
تعليق : الأوّل تعالى يعرف كلّ شيء من ذاته ، لا على أن يكون الموجودات علّة علمه ، بل علمه علّة لها مثل أن يكون البنّاء يبدع في الذهن صورة بيت ، فيبنيه على ما هو في الذهن ، فلو لا تلك الصورة المتصوّرة من البيت في الذهن ، لم يكن ثمّ للبيت وجود ، فلم يكن صورة البيت علّة لعلم البنّاء ، بل الأمر بالعكس ، وما كان
__________________
(١) « الشفاء » الإلهيّات : ٣٦٣ ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.
(٢) نفس المصدر : ٣٦٤.