بخلاف ذلك فإنّه كالسماء التي هي علّة لعلمنا بها ؛ فإنّ وجودها علّة لعلمنا ، وقياس الموجودات مع (١) علمه كقياس الموجودات التي نستنبطها بأفكارنا ، ثمّ نوجدها ؛ فإنّ الصور الموجودة من خارج علّتها الصور المبدعة في أذهاننا ، ولكنّ البارئ تعالى لم يكن يحتاج إلى استعمال آلة وإصلاح مادّة ، بل كما يتصوّر يجب وجود الشيء بحسب التصوّر.
وأمّا نحن ، فنحتاج ـ مع التصوّر ـ إلى استعمال آلات ، ونحتاج إلى شوق إلى تحصيل ذلك المتصوّر وطلب لتحصيلها ، فالأوّل غنيّ عن كلّ هذا.
تعليق. شبّه طاعة الموادّ والموجودات لتصوّره سبحانه بأن نتصوّر شيئا ، فإذا حصل منّا الإجماع لطلبه ، انبعثت القوّة التي في العضلات إلى تحريك الآلات من دون استعمال آلة أخرى في تحريك تلك الآلات. وهذا معنى قوله جلّ وعلا : ( كُنْ فَيَكُونُ ) (٢). (٣)
تعليق. العلم هو حصول صور المعلومات في النفس ، وليس يعنى به أنّ تلك الذوات تحصل في النفس ، بل آثار منها ورسوم ، وصور الموجودات مرتسمة في [ ذات ] (٤) البارئ تعالى ؛ إذ هي معلولات ، وعلمه بها سبب وجودها (٥).
وقال في رسالة منسوبة إليه : اعلم أنّ المعلوم ليس هو الصورة الموجودة من خارج وجودا عينيّا ؛ لأنّه لو كان كذلك ، لكان كلّ موجود وجودا عينيّا معلوما لنا ، ولكنّا لا نعلم المعدوم : لكنّا نحكم عليه حكما تصديقيّا ، كما نحكم على الخلاء بأنّه
__________________
(١) في « شوارق الإلهام » : « قياس الموجودات إلى علّتها ».
(٢) البقرة (٢) : ١١٧ ؛ آل عمران (٣) : ٤٧ و ٥٩ ؛ الأنعام (٦) : ٧٣ ؛ النحل (١٦) : ٤٠ ؛ مريم (١٩) : ٣٥ ؛ يس (٣٦) : ٨٣ ؛ غافر (٤٠) : ٦٨.
(٣) « التعليقات » : ١٩٢.
(٤) الزيادة أثبتناها من المصدر.
(٥) « التعليقات » : ٨٢.