وهذا معنى قول الشيخ : إنّ عاقليّته تعالى لهذه المعقولات إنّما هي لكونها صادرة عنه لا لكونها حاصلة فيه (١) ، وذلك لأنّ المتبادر من الحصول في الشيء هو أن يكون حاصلا فيه من غيره لا من ذاته.
قال في الشفاء في فصل سابق على الفصل المذكور : وليس يجوز أن يكون واجب الوجود يعقل الأشياء من الأشياء ، وإلاّ فذاته إمّا متقوّمة بما يعقل ، فيكون تقوّمها بالأشياء ، وإمّا عارض لها أن تعقل ، فلا تكون واجبة الوجود من كلّ وجه وهذا محال. ويكون لو لا أمور من خارج لم يكن هو بحال ويكون له حال لا يلزم عن ذاته بل عن غيره ، فيكون لغيره فيه تأثير. والأصول السابقة تبطل هذا وما أشبهه (٢).
وقال في التعليقات :
تعليق : نفس تعقّله لذاته نفس وجود هذه الأشياء عنه ، ونفس وجود هذه الأشياء نفس معقوليّتها له على أنّها عنه (٣).
تعليق : هو يعقل الأشياء لا على أنّها تحصل في ذاته كما نعقلها نحن ، بل على أنّها تصدر عن ذاته وأنّ ذاته سبب لها (٤).
تعليق : إن ورد على ذات البارئ تعالى شيء من الخارج يكون ثمّة انفعال ويكون هناك قابل له ؛ لأنّه يكون بعد ما لم يكن ، وكلّ ما يفرض أنّه يكون له بعد ما لم يكن فإنّه يكون ممكنا فيه ، فبطل أن يكون واجب الوجود ، فيؤدّي ذلك إلى تغيّر في ذاته أو تأثير من خارج فيه فإذن تعقّل كلّ شيء من ذاته (٥).
تعليق : هذه الموجودات من لوازم ذاته ، ولوازمه فيه بمعنى أنّه يصدر عنه ، لا أنّه
__________________
(١) « التعليقات » : ١٥٣ ، وانظر « الشفاء » الإلهيّات : ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.
(٢) « الشفاء » الإلهيّات : ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، الفصل السادس من المقالة الثامنة.
(٣) « التعليقات » : ١٥٣.
(٤) « التعليقات » : ١٥٣.
(٥) نفس المصدر : ١١٧.