يختصّ الوجود به ، ولا علمه بالعدم إلى حضور الآن والزمان الذي يختصّ به العدم ، فلا مدخل في علمه تعالى ماض ولا مستقبل ولا حال.
قال الشيخ في إلهيّات الشفاء : ولأنّه مبدأ كلّ وجود ، فيعقل من ذاته ما هو مبدأ له ، وهو مبدأ للوجودات (١) التامّة بأعيانها والوجودات (٢) الكائنة الفاسدة بأنواعها أوّلا ، وبتوسّط ذلك بأشخاصها.
ومن وجه آخر لا يجوز أن يكون عاقلا لهذه المتغيّرات مع تغيّرها من حيث هي متغيّرة عقلا زمانيّا مشخّصا ، بل على نحو آخر نبيّنه ؛ فإنّه لا يجوز أن يكون تارة يعقل عقلا زمانيّا منها أنّها موجودة غير معدومة ، وتارة يعقل عقلا زمانيّا أنّها معدومة غير موجودة ، فيكون لكلّ واحد من الأمرين صورة عقليّة ولا واحدة من الصورتين تبقى مع الثانية ، فيكون واجب الوجود متغيّر الذات.
ثمّ الفاسدات إن عقلت بالماهيّة المجرّدة (٣) وبما يتبعها ممّا لا يتشخّص ، لم تعقل بما هي فاسدة.
وإن أدركت بما هي مقارنة لمادّة وعوارض مادّة ووقت وتشخّص وتركيب ، لم تكن معقولة ، بل هي محسوسة أو متخيّلة ، ونحن قد بيّنّا في كتب أخرى أنّ كلّ صورة لمحسوس وكلّ صورة خياليّة فإنّما تدرك من حيث هي محسوسة ومتخيّلة بآلة متجزّئة ، وكما أنّ إثبات كثير من الأفاعيل للواجب الوجود نقص له ، كذلك إثبات كثير من التعقّلات ، بل الواجب الوجود إنّما يعقل كلّ شيء على نحو كلّيّ ، ومع ذلك فلا يعزب عنه شيء شخصيّ ، فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض. وهذا من العجائب التي يحوج تصوّرها إلى لطف قريحة (٤).
ثمّ أشار إلى بيان النحو الآخر الذي عليه يجب أن يكون تعقّله لهذه المتغيّرات ،
__________________
(١) في « شوارق الإلهام » و « الشفاء » : « الموجودات ».
(٢) في « شوارق الإلهام » و « الشفاء » : « الموجودات ».
(٣) في « شوارق الإلهام » : « المجرّدة بما ».
(٤) « الشفاء » الإلهيّات : ٣٥٩ ، الفصل السادس من المقالة الثامنة.