فأمّا إن قال : إنّ الكوكب الفلانيّ في هذا الوقت الفلانيّ ـ المشار إليه المستفاد علمه من خارج ـ مقارن للكوكب الفلانيّ وغدا مقارن لكوكب آخر ، فإنّه إذا جاء الغد بطل الحكم الوقتيّ والعلم الوقتيّ.
فإذن الفرق بين العلمين ظاهر ، فواجب الوجود علمه على الوجه الكلّيّ علم لا يعزب عنه مثقال ذرّة ، وهذا الكسوف الشخصيّ وإن كان معقولا على الوجه الكلّيّ ؛ إذ قد علم بأسبابه ، والمعقول فيه بحيث يجوز حمله على كسوفات كثيرة كلّ واحد منها حاله حال هذا الكسوف ، فإنّ الأوّل تعالى يعلم أنّه مشخّص في الوجود وعلمه محيط بوحدانيّته ، فإنّه إن لم يعرف وحدانيّته لم يعرفه حقّ المعرفة ، وكذلك نظام الموجودات عنه وإن عرفه على وجه كلّيّ بحيث يكون معقوله يجوز حمله على كثيرين ، فإنّه يعلم أنّه واحد ، وكذلك يعلم أنّ العقل الفعّال واحد وإن كان عقله على وجه كلّيّ ، وعلمه بأنّ هذا الكسوف شخصيّ لا يرفع (١) المعقول الكلّيّ.
والعلم ما يكون بأسباب ، والمعرفة ما يكون بمشاهدة ، والعلم لا يتغيّر البتّة وإن كان جزئيّا ؛ فإنّ علمنا بأنّ الكسوف غدا يكون مركّبا من علم ومشاهدة ، ولو كان غدا لم يكن مشارا إليه ، بل كان معلوما بأسبابه لم يكن إلاّ علما كلّيّا ، ولم يكن يجوز أن يتغيّر ، ولم يكن زمانيّا ؛ فإنّ كلّ علم لا يعرف بالإشارة وبالاستناد إلى شيء مشار إليه كان بسبب ، والعلم بالمسبّب لا يتغيّر ما دام السبب موجودا ، لكنّ العلم الذي يتغيّر هو أن يكون مستفادا من وجود الشيء ومشاهدته ، فواجب الوجود تعالى منزّه عن ذلك ؛ إذ لا يعرف الشيء من وجوده ، فيكون علمه زمانيا ومستحيلا ومتغيّرا ، ولو كنّا نعرف حقيقة واجب الوجود وما يوجبه ذاته من صدور اللوازم كلّها عنه لازما بعد لازم إلى أقصى الوجود ، لكنّا نحن أيضا نعلم الأشياء بأسبابها ولوازمها ، وكان علمنا أيضا لا يتغيّر ، وإذا كان هو يعقل ذاته وما يوجبه ذاته ، فيجب
__________________
(١) في « التعليقات » : « لا يدفع ».