علم سواء كان مقارنا له كما في الفاعل بالرضى ، أو لا كما في الفاعل بالطبع ، فعند من ينفي العلم عن الواجب تعالى مطلقا ـ كما مرّ نقلا عن بعض الأوائل (١) ـ يكون تعالى فاعلا بالطبع ، تعالى عن ذلك. وعند من يقول بالعلم الحضوري المقارن فقط كصاحب الإشراق يكون فاعلا بالرضى. وكلاهما داخلان في الفاعل الموجب ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
واعلم أنّ الإمام الرازيّ أيضا في المباحث المشرقيّة رجع إلى سبيل التحقيق في إرادته تعالى ، فقال : فإذا كانت إرادة الله تعالى دائمة الوجود ، لم تكن تلك الإرادة قصدا إلى التكوين ؛ لأنّ القصد إلى الشيء يستحيل بقاؤه بعد حصول ذلك الشيء ، فثبت أنّ إرادة الله تعالى ليست عبارة عن القصد ، بل الحقّ في معنى كونه مريدا أنّه تعالى يعقل ذاته ويعقل نظام الخير الموجود في الكلّ أنّه كيف يكون ذلك النظام ويكون لا محالة كائنا مستفيضا ، وهو خير غير مناف لذات المبدأ الأوّل ، فعلم المبدأ بفيضانه عنه ، وأنّه غير مناف لذاته هو إرادته لذلك ورضاه.
ثمّ إنّا إذا حقّقناه ، حكمنا بأنّ الفرق بين المريد وغير المريد ـ سواء كان في حقّنا ، أو في حقّ الله تعالى ـ هو ما ذكرناه ؛ فإنّ إرادتنا ما دامت متساوية النسبة إلى وجود المراد وعدمه ، لم تكن صالحة لترجيح أحد ذينك الطرفين على الآخر ، وإذا صارت نسبتها إلى وجود المراد أرجح بالنسبة إلى عدمه ، وثبت أنّ الرجحان لا يحصل إلاّ عند الانتهاء إلى حدّ الوجوب ، لزم منه الوقوع ؛ لأنّ الإرادة الجازمة إنّما تتحقّق عند الله ، وهنا لك قد صارت موجبة للفعل.
فإذن ما يقال من الفرق بين الموجب والمختار : إنّ المختار يمكنه أن يفعل وأن لا يفعل ، والموجب لا يمكنه أن لا يفعل ، كلام باطل ؛ لأنّا بيّنّا أنّ الإرادة متى كانت
__________________
(١) « شوارق الإلهام » : ٥١٤. وانظر « شرح مسألة العلم » : ٢٢ ؛ « الأسفار الأربعة » ٦ : ١٨٠ ؛ « المبدأ والمعاد » للصدر الشيرازيّ : ٩٠ ؛ « المباحث المشرقيّة » ٢ : ٤٩٢ ـ ٤٩٨ ؛ « المحصّل » : ٣٨٤ ؛ « نقد المحصّل » : ٢٧٧ ـ ٢٨٠ و ٢٩٤ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٧١ ـ ٧٢.