والثاني : أنّه ينافي مصلحة العالم ؛ لأنّه إذا جاز وقوع الكذب في كلام الله ، ارتفع الوثوق عن إخباره تعالى بالثواب والعقاب وسائر ما أخبر به من أحوال الآخرة والأولى ، وفي ذلك فوات مصالح لا تحصى [ مضافا إلى أنّ الصدق قد صلح بحال العباد (١) ] والأصلح واجب عليه تعالى عندهم ، فلا يجوز إخلاله به.
وأمّا الأشاعرة فلوجوه :
أوّلها : أنّه نقص ، والنقص عليه تعالى محال إجماعا. وأيضا فيلزم أن نكون نحن أكمل منه تعالى في بعض الأوقات أعني وقت صدقنا وكذبه تعالى.
قيل : هذا الوجه إنّما يدلّ على صدق الكلام النفسي الذي هو صفة قائمة بذاته تعالى ، وإلاّ لزم نقصان صفته تعالى مع كمال صفتنا ، ولا يدلّ على صدقه في الكلام اللفظيّ الذي يخلقه في جسم دالاّ على معنى مقصود منه ؛ لأنّه على هذا التقدير يلزم النقص في فعله تعالى. ولا فرق بين النقص في الفعل وبين القبح العقلي فيه وهم لا يقولون به.
اللهمّ إلاّ أن يقصدوا بذلك إلزام المعتزلة مع أنّ الأهمّ بيان صدقه تعالى في الكلام اللفظيّ.
أقول : مرجع الصدق والكذب إنّما هو المعنى دون اللفظ. ولمّا كان الكلام النفسيّ عندهم مدلول الكلام اللفظيّ ومعناه ، كان كذب الكلام اللفظيّ راجعا إلى كذب الكلام النفسيّ ، ولزم النقص في صفته تعالى.
الثاني : أنّه لو اتّصف بالكذب لكان كذبه قديما ؛ إذ لا يقوم الحادث بذاته ، فيلزم أن يمتنع عليه الصدق المقابل لذلك الكذب ، وإلاّ لجاز زوال ذلك الكذب ، وهو محال ؛ فإنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه ، واللازم ـ وهو امتناع الصدق عليه ـ باطل ؛ فإنّا نعلم بالضرورة أنّ من علم شيئا أمكنه أن يخبر عنه على ما هو عليه.
__________________
(١) العبارة غير موجودة في « شرح تجريد العقائد » للقوشجي.