بالبارئ ، كما قال سيّد الوصيّين : « اعبد الله كأنّك تراه (١) » و « كيف أعبد ربّا لم أره؟ » (٢).
الثاني : الرؤية بمعنى الانكشاف الحسّيّ وهو عند الطبيعيّين ما يحصل بارتسام صورة المرئيّ في عين الرائي. وعند الرياضيّين ما يحصل من اتّصال شعاع مخروط خارج من عين الرائي بالمرئيّ بحيث يكون مركزه ورأسه متّصلا ببصره ، وقاعدته متّصلا بالمرئيّ ، ولا نزاع ـ كما قيل ـ في امتناع تعلّق هذا القسم بالواجب ؛ لاختصاصه بالممكن.
الثالث : الرؤية بمعنى المعرفة الزائدة الحاصلة بعد المعرفة الحاصلة من الحدّ أو الرسم ؛ فإنّا إذا عرّفنا الشيء بالحدّ أو الرسم تحصل معرفة علميّة ، فإذا أبصر ذلك الشيء فغمض البصر ولوحظ ثانيا حصل إدراك فوق الإدراك الأوّل ، وبعد فتح البصر يحصل إدراك فوق الإدراكين السابقين ، ويسمّى هذا الإدراك رؤية.
وقد اختلف في جواز تعلّقها بالواجب ، فجوّزه الأشاعرة (٣) للمؤمنين في الدار الآخرة على وجه يتنزّه به الواجب الوجود عن الجهة والمكان ، ولهذا لا يمكن حصولها في الدنيا ؛ إذ الرؤية الدنيويّة لا تحصل بلا جهة ومكان ، والواجب منزّه عنهما.
والمشبّهة القائلون بأنّ الله تعالى ليس بجسم ولكنّه شبيه به ، والكراميّة القائلون بأنّه تعالى جسم لا كالأجسام الممكنة يقولون بجواز [ تعلّق ] الرؤية به تعالى مع الجهة والمكان.
__________________
(١) « الدرّ المنثور » ١ : ٧١٤ ؛ « صحيح مسلم » ١ : ٣٧ كتاب الإيمان ، ح ١ ؛ « سنن أبي داود » ٤ : ٢٢٤ كتاب السنّة ، باب في القدر ، ح ٤٦٩٥ ؛ « سنن ابن ماجة » ١ : ٢٤ ، المقدّمة ، باب في الإيمان ، ح ٦٣.
(٢) « بحار الأنوار » ٤ : ٥٤ ، ح ٣٤ و ٣٦ : ٤٠٦ ، ح ١٦.
(٣) لمزيد الاطّلاع حول الأقوال في الرؤية راجع « شرح الأصول الخمسة » : ٢٣٢ ـ ٢٧٧ ؛ « المغني » : ٤ : ٢٤٣ ؛ « المحصّل » : ٤٤١ ـ ٤٥٤ ؛ « الأربعين في أصول الدين » ١ : ٢٦٦ ـ ٣٠٧ ؛ « نقد المحصّل » : ٣١٦ ـ ٣٢٢ ؛ « كشف المراد » : ٢٩٦ ـ ٢٩٩ ؛ « مناهج اليقين » : ٢١٠ ـ ٢١٣ ؛ « شرح المواقف » : ٨ : ١١٥ ـ ١٤٣ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٨١ ـ ٢١١ ؛ « إرشاد الطالبين » : ٢٤١ ـ ٢٤٩ ؛ « النافع ليوم الحشر » : ٢٢ ـ ٢٣ ؛ « شرح الأسماء » للسبزواريّ : ٥٠٩ ـ ٥١٩.