وتمسّك الأشاعرة بسؤال موسى عليهالسلام ؛ حيث قال : ( رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي ) (١) لأنّ موسى عليهالسلام لم يكن ممّن يسأل عن الممتنع ، وتعليق الرؤية باستقرار الجبل الممكن يقتضي الإمكان أيضا ، وبقوله تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) (٢). ودلالته ظاهرة.
والجواب عن الأوّل أوّلا ـ بعد منافاة مقتضاه الظاهر لمدّعاهم ؛ حيث يدلّ على تقدير تسليم الدلالة على جواز رؤيته في الدنيا ـ أنّ سؤال موسى عليهالسلام كان لإسكات قومه ولم يكن سؤالا حقيقيّا ، ولا أقلّ من كونه لحصول زيادة الاطمئنان كما في سؤال إبراهيم عليهالسلام بقوله : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ) (٣) واستقرار الجبل لم يكن ممكنا كما لم يتحقّق.
وثانيا : أنّ الآية ـ على تقدير دلالتها ـ ظاهرة مدفوعة بالإجماع القاطع ، والعقل الذي هو النور الساطع.
وعن الثاني : أنّ كلمة « إلى » مشتركة بين المعنى الاسميّ ـ وهو معنى ما هو مفرد الآلاء بمعنى النعم ـ وبين المعنى الحرفيّ وهو انتهاء الغاية. والمراد هو الأوّل لا الثاني ، ولا أقلّ من الاحتمال المنافي للاستدلال. مضافا إلى أنّ الإجماع والعقل القطعيّين يدفعان الظاهر.
وأيضا : إن كان هذا الإدراك هو الانكشاف العلميّ ، فهو خارج عن محلّ النزاع.
وإن كان عبارة عن الانكشاف البصريّ ـ كما حكي عن بعضهم أنّه لا يمتنع أن يحصل لأبصار المؤمنين في الآخرة حالة بقدر معرفتهم ليشاهدوا بها نور الوجود الواجبيّ ، بناء على مبناهم الفاسد من جواز حصول كلّ شيء لكلّ شيء كحصول العلم بجميع
__________________
(١) الأعراف (٧) : ١٤٣.
(٢) القيامة (٧٥) : ٢٢.
(٣) البقرة (٢) : ٢٦٠.