واعترض على الأوّل بوجوه :
الأوّل : أنّ موسى عليهالسلام لم يسأل الرؤية ، بل تجوّز بها عن العلم الضروريّ ؛ لأنّه لازمها ، وإطلاق اسم الملزوم على اللازم شائع سيّما استعمال رأى بمعنى علم وأرى بمعنى أعلم ، فكأنّه قال : اجعلني عالما بك علما ضروريّا.
وأجيب بأنّ الرؤية وإن استعملت بمعنى العلم لكن هاهنا يمتنع حملها عليه بوجوه :
الأوّل : أنّه لو كانت بمعنى العلم لكان النظر المترتّب عليها بمعناه أيضا ، لكنّ النظر الموصول بإلى نصّ في الرؤية.
الثاني : أنّه يلزم أن لا يكون موسى عليهالسلام عالما بربّه ضرورة مع أنّه يخاطبه ، وذلك لا يعقل ؛ لأنّ المخاطب في حكم الحاضر المشاهد.
الثالث : أنّه لا يكون الجواب حينئذ مطابقا للسؤال ؛ لأنّ قوله : ( لَنْ تَرانِي ) نفي لرؤيته تعالى ، لا للعلم الضروريّ بإجماع المعتزلة.
الثاني : أنّ الكلام على حذف المضاف ، والمعنى أرني آية من آياتك أنظر إلى آيتك.
أجيب من ذلك بأنّه لا يستقيم أمّا أوّلا ، فلأنّ الجواب حينئذ لا يطابق السؤال ؛ لأنّ قوله : ( لَنْ تَرانِي ) على ما ذكرنا من الإجماع نفي لرؤيته تعالى ، لا لرؤية آية من آياته.
وأمّا ثانيا ، فلأنّ اندكاك الجبل أعظم آية من آياته تعالى ، فكيف يستقيم نفي رؤية الآية؟!.
وأمّا ثالثا ، فلأنّ الآية إنما هي عند اندكاك الجبل لا استقراره ، فكيف يصحّ تعلّق رؤيتها بالاستقرار؟!
الثالث : أنّ موسى عليهالسلام إنّما سأل الرؤية بسبب قومه لا لنفسه ؛ لأنّه كان عالما بامتناعها ، لكن قومه اقترحوا عليه وقالوا : أرنا الله جهرة ، فسأل ليمنع ، فيعلم قومه امتناعها.