وأجيب بأنّه ـ مع مخالفته الظاهر ، حيث لم يقل : أرهم ينظروا إليك ـ فاسد من وجوه :
أمّا أوّلا ، فلأنّهم لمّا سألوا وقالوا : أرنا الله جهرة ، زجرهم الله تعالى وردعهم بأخذ الصاعقة ، فلم يحتج موسى في زجرهم إلى سؤال الرؤية ، وليس في أخذ الصاعقة دلالة على امتناع المسئول ؛ لجواز أن يكون ذلك بقصدهم إعجاز موسى عليهالسلام عن الإتيان بما طلبوه تعنّتا ، لا لامتناع ما طلبوه.
وأمّا ثانيا ، فلأنّ تجويز الرؤية باطل ، بل كفر عند أكثر المعتزلة ، فلا يجوز لموسى عليهالسلام تأخير الردّ وتقرير الباطل ، ألا ترى أنّهم لمّا قالوا : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، ردّ عليهم من ساعته بقوله : ( إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) (١).
وأمّا ثالثا ، فلأنّهم إن كانوا مؤمنين بموسى عليهالسلام مصدّقين بكلامه ، كفاهم إخباره بامتناع الرؤية من غير طلب للمحال ، ومشاهدة لما جرت من الأحوال والأهوال ، وإلاّ لم يفسد الطلب (٢) والجواب (٣) ؛ لأنّهم وإن سمعوا الجواب فهو عليهالسلام المخبر بأنّه كلام الله تعالى.
وردّ هذا بأنّهم كانوا مؤمنين لكن لمّا لم يعلموا مسألة الرؤية ، وظنّوا جوازها عند سماع الكلام ، فاختار موسى عليهالسلام في الردّ عليهم طريق السؤال والجواب من الله ليكون أوثق عندهم ، وأهدى إلى الحقّ ؛ وأضاف موسى عليهالسلام الرؤية إلى نفسه دونهم ؛ لئلاّ يبقى لهم عذر ، ولا يقولوا : لو سأله لنفسه لرآه ؛ لعلوّ قدره عند الله.
الرابع : أنّه سأل الرؤية مع علمه بامتناعها ؛ لزيادة الطمأنينة بتعاضد دليل العقل والسمع ، كما في طلب إبراهيم أن يريه كيفيّة إحياء الأموات.
__________________
(١) الأعراف (٧) : ١٣٨.
(٢) أي قوله : « أرني ».
(٣) أي قوله : « لن تراني ».