حدقة الرائي على اختلاف المذهبين ، وكلاهما في حقّ الله تعالى ظاهر الامتناع ؛ لتجرّده واختصاصهما بالجسمانيّات ، فتمتنع رؤيته.
وأجيب بمنع الحصر خصوصا في الغائب.
ومنها : أنّ شرط الرؤية ـ كما علم بالضرورة من التجربة ـ المقابلة أو ما في حكمها ، وهي مستحيلة في البارئ تعالى ؛ لتنزّهه عن المكان والجهة.
وأجيب بمنع الاشتراط سيّما في الغائب ؛ فإنّ الأشاعرة جوّزوا رؤية ما لا يكون مقابلا ولا في حكمه ، بل جوّزوا رؤية أعمى الصين بقّة أندلس.
ومنها : أنّه لو جازت لدامت لكلّ سليم الحاسّة في الدنيا والآخرة ، فيلزم أن نراه الآن وفي الجنّة على الدوام ، والأوّل منتف بالضرورة ، والثاني بالإجماع وبالنصوص القاطعة الدالّة على اشتغالهم بغير ذلك من اللذّات.
وجه اللزوم : أنّ للرؤية شرائط ـ عددناها فيما سلف ـ يجب الرؤية معها ، وتمتنع بدونها ، ولا يعقل من تلك الشرائط في حقّ رؤية الله تعالى إلاّ اثنان : سلامة الحاسّة ، وكون الشيء جائز الرؤية ؛ لاختصاص ما سواهما بالجسمانيّات ، فإن كفيا في رؤيته تعالى ولم تشترط بشرط آخر غيرهما ، لزم أن نراه الآن ؛ إذ لو جاز عدم الرؤية مع تحقّق شرائطها لجاز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة لا نراها ، وتجويز ذلك سفسطة.
وإن لم يكفيا في ذلك ، لزم أن لا نراه الآن ، ولا نراه في الآخرة أيضا ؛ لأنّ الشرائط التي من قبلنا سوى سلامة الحاسّة فقد ذكرنا أنّها لا تعقل بالنسبة إليه تعالى ، وقد فرضنا أنّ سلامة الحاسّة متحقّقة ، والتي من قبله تعالى لا يتصوّر فيها التغيير والتبديل ؛ لأنّ كلّ حكم ثابت له تعالى فإمّا لذاته أو لصفة لازمة لذاته ؛ لامتناع اتّصافه بالحوادث ، فلو جازت رؤيته تعالى لجازت في الحالات كلّها.
وأجيب بأنّ قولكم : تجويز ذلك سفسطة. إن أردتم بالتجويز حكم العقل بأنّه من الأمور الممكنة التي لا يلزم من فرض وقوعها محال ، فهو ليس بسفسطة ، بل هو