صحيح مطابق للواقع.
وإن أردتم به تردّد العقل فيه وعدم جزمه بانتفائها ، فاللزوم ممنوع ؛ فإنّ انتفاءها من العاديّات القطعيّة الضروريّة ، كعدم صيرورة أواني البيت أناسا فضلاء عالمين بأشكل العلوم كالمجسطي والمخروطات ونحو ذلك ممّا يخلق الله تعالى ؛ للعلم الضروريّ بانتفائها وإن كان ثبوتها من الممكنات دون المحالات ، وليس الجزم به ـ أي بعدم الجبل المذكور ـ مبنيّا على العلم بأنّه تجب الرؤية عند وجود شرائطها ؛ لأنّ هذا الجزم حاصل لمن لا تخطر بباله هذه المسألة ، بل لمن يجحدها ويعتقد خلافها ، ولأنّه ينجرّ إلى أن يكون ذلك الجزم نظريّا مع اتّفاق الكلّ على كونه ضروريّا ، بل نقول : قد تتحقّق شرائط رؤية شيء بأجمعها ولا نرى ذلك الشيء ؛ لأنّا نرى الجسم الكبير من البعيد صغيرا ، وما ذلك إلاّ لأنّا نرى بعض أجزائه دون بعض مع تساوي الكلّ في حصول الشرائط ، فظهر أنّه لا تجب الرؤية عند اجتماعها.
لا يقال : أبعاد تلك الأجزاء عند البصر مختلفة ، فلا نرى ما هو أبعد.
لأنّا نقول : هذا التفاوت لا يزيد على مقدار قطر المرئيّ [ أبعد (١) ] الامتدادات الواقعة فيه ، فلو كان عدم رؤية بعض الأجزاء لأجل البعد ، وفرضنا أنّ هذا المرئيّ زاد بعده عن البصر بقدر قطره ، وجب أن لا يرى أصلا ، لكنّه يرى فلا أثر للبعد المذكور في عدم الرؤية.
قال المصنّف : لا يلزم من رؤيتنا جميع أجزائه أن نراه كبيرا ، وإنّما يلزم ذلك أن لو كان صغر المرئيّ وكبره بحسب رؤية الأجزاء وعدمها ، وليس كذلك ، بل صغر المرئيّ وكبره بحسب صغر الزاوية الجليديّة وكبرها على ما تبيّن في علم المناظر (٢).
وقال صاحب المواقف : ضعفه ظاهر ، بناء على تركّب الجسم من أجزاء لا تتجزّأ ؛
__________________
(١) في هامش « ب » : « أطول » بدل « أبعد ».
(٢) نقله صاحب المواقف عن بعض الفضلاء ، وفسرّه الشارح بصاحب اللباب. انظر « شرح المواقف » ٨ : ١٣٦ ـ ١٣٧.