فلمّا اختاروا الطاعة ، أجرى عليها لازمها وهو استحقاق الثواب ، وإن عصوا فباختيارهم بحيث لو شاءوا أطاعوا ، ولمّا اختاروا المعصية أجرى عليها لازمها ، وهو استحقاق العقاب مع جواز العفو ، وليس الأمر على وجه التفويض بأن لم يكن له أمر في أفعالهم حتّى يكون معزولا عن سلطانه ، ولا على وجه الإجبار بأن لم يكن للعبد دخل فيها ، وإلاّ لما كان لبعث الرسل وإنزال الكتب معنى ، ولما استحق ثوابا ولا عقابا ، ولكان العقاب ظلما ، بل الإقدار من الله بأن خلقهم قادرين على الفعل والترك ، فهو العلّة البعيدة ، والمباشرة من العبد ، فهو العلّة القريبة ، فليس العلّيّة منحصرة فيه تعالى كما يقوله أهل الإفراط وهم الأشاعرة (١) ، ولا منحصرة في العبد كما يقوله أهل التفريط وهم المعتزلة (٢) ، بل الأمر بين الأمرين ، والعلّة مركّبة اعتباريّة حاصلة في البين كما هو المذهب الجعفريّ (٣) ، كما روي عن مولانا جعفر بن محمّد عليهماالسلام : « لا جبر ولا تفويض بل الأمر بين الأمرين » (٤) بمعنى أنّ المجموع المركّب من فعل الله تعالى التكوينيّ ـ بإيجاد العبد وإحيائه وإعطاء الأسباب كالقدرة ونحوها وإبقائها ـ ومن فعل العبد ـ بالمباشرة ونحوها من باب الجعل للمصلحة ـ علّة لحصول الفعل الاختياريّ للعبد وإن كانت الإرادة التكليفيّة على خلاف الإرادة التكوينيّة ، فالتركيب اعتباريّ في مقام الفعل ، لا في مقام الذات حتّى يلزم نحو الوحدة أو الاتّحاد ، ولا يلزم أيضا تعذيب أحد الشريكين للآخر ؛ لعدم التركيب في مقام المباشرة مع أنّ اعتباره بملاحظة مقام التكوين ، والتعذيب باعتبار التكليف المستند إلى اختيار العبد ومباشرته له.
__________________
(١) « المطالب العالية » ٩ : ٩ وما بعدها ؛ « الأربعين في أصول الدين » ١ : ٣١٩ ؛ « المحصّل » : ٤٥٥ ـ ٤٧٤ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ٣٢٤ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ١٤٥ ـ ١٧٣ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٢١٩ وما بعدها.
(٢) نفس المصادر السابقة.
(٣) « نقد المحصّل » : ٣٣٣ ؛ « مناهج اليقين » : ٢٣٥ ـ ٢٤٣ ؛ « كشف المراد » : ٣٠٨ ـ ٣١٣ ؛ « النافع ليوم الحشر » : ١٥٥ ـ ١٦٠ ؛ « إرشاد الطالبين » : ٢٦٣.
(٤) « الكافي » ١ : ١٦٠ باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ، ح ١٣.