فإن قلت : قد حقّق أنّ الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل أنّ صفات الذات ما لا يصحّ إثباته ونفيه عن ذاته تعالى ولو بالاعتبار ، بخلاف صفات الفعل ، وعلى هذا فلا يصحّ جعل العدل من كمال الأفعال ؛ لعدم صحّة نفيه ، لاستحالة وقوع الظلم.
قلت : يصحّ نفي العدل بإثبات الفضل الذي هو موقوف على الاستعداد من غير استحقاق معتبر في العدل ، فتوهّم أنّ التقابل بين العدل والظلم تقابل العدم والملكة فاسد ، مخالف للوجدان والشرع.
فإن قلت : الجور لازم للجبر ، فلا فائدة في الفرق.
قلت : الجور الاعتقاديّ مستلزم للكفر في مقابل الإسلام ، بخلاف الجور الاستلزاميّ ؛ فإنّه مستلزم للكفر في مقابل الإيمان ـ الموجب للخلود للنيران (١) ـ لا الكفر المقابل للإسلام.
وبالجملة ، فأفعال الله تعالى على أقسام خمسة : منها الإنشاء والاختراع ، ومنها الإبداع ، ومنها الصنع ، ومنها التركيب والتكوين ، ومنها التكليف ، وقد مرّ بيان ذلك في الأمور العامّة في المسألة التاسعة والثلاثين من مسائل الوجود ، فالكلام في هذا الأصل أيضا يقع في مقامات خمسة نذكرها على وفق ما أشار إليه المصنّف :
الأوّل : أنّ الله تعالى عادل بالعدل الذي هو مقابل الجور ، وأنّه تعالى منزّه عن الظلم والقبح والشرور ؛ وهو من أصول الدين ، ومنكره من الكافرين.
الثاني : أنّ جميع أفعاله تعالى حتّى التكليف حسنة بالحسن العقليّ الأصليّ أو العارضيّ ـ ولو لم يدركه العقل إلاّ بإرشاد النقل ـ كما يستفاد من العقل والنقل لا أنّ ما يفعله أو يأمر به يصير حسنا ، وما لا يكون كذلك يصير قبيحا ؛ وهو من أصول المذهب ؛ ردّا على الأشاعرة (٢).
__________________
(١) كذا في النسخ ، والأصحّ : « إلى النيران ».
(٢) حيث نفوا الحسن العقلي. انظر « المحصّل » : ٤٧٨ ـ ٤٨١ ؛ « الأربعين في أصول الدين » ١ : ٣٤٦ ـ ٣٤٩ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ١٨١ ـ ١٩٥ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٢٨٢ ـ ٢٩٤.