أقول : بهذا التقرير ـ حيث عمّمنا المرجّح ـ سقط الجواب بأنّ ترجيح المختار أحد المتساويين جائز ، كما في طريقي الهارب وقدحي العطشان ؛ لأنّ الإرادة صفة شأنها الترجيح والتخصيص من غير احتياج إلى مرجّح ، وإنّما المحال الترجّح بلا مرجّح ، ولم يحتج إلى ما قال صاحب المواقف من أنّ هذا الدليل إلزام على المعتزلة القائلين بوجوب المرجّح في الفعل الاختياريّ ، لا القائلين بأنّه يجوز للقادر ترجيح المساوي بل المرجوح ؛ فإنّ الهارب يتمكّن من سلوك أحد الطريقين وإن كان مساويا للآخر ، أو أصعب منه (١).
وأجاب المصنّف بقوله : ( والوجوب للداعي لا ينافي القدرة كالواجب ) بمعنى أنّ القادر هو الذي يتمكّن من كلّ طرفي الفعل والترك قبل تحقّق الداعي إلى أحدهما وتعلّق الإرادة الجازمة به. أمّا بعده ، فيجب الطرف الذي تعلّق به الإرادة ، وهذا الوجوب لا ينافي القدرة ، بل يحقّقه.
وقوله : « كالواجب » إشارة إلى النقض الإجماليّ ، يعني (٢) لو تمّ هذا الدليل ، لدلّ على أنّ الواجب تعالى لا يكون ـ أيضا ـ موجدا لفعله بالقدرة والاختيار ؛ فإنّ ما ذكرتموه جار في حقّه أيضا.
وأجاب الإمام عنه بأنّ إرادة العبد محدثة ، فتفتقر إلى أن تنتهي إلى إرادة يخلقها الله تعالى فيه بلا إرادة [ واختيار منه دفعا للتسلسل في الإرادات التي يفرض صدورها عنه ، وإرادة الله تعالى قديمة فلا تفتقر إلى إرادة ] (٣) أخرى (٤).
وردّه المصنّف بأنّه لا يدفع التسلسل المذكور (٥) ؛ إذ يقال : إن لم يمكن الترك مع
__________________
(١) « شرح المواقف » ٨ : ١٥٢.
(٢) في « ب » و « ز » : « بمعنى لو يتمّ ».
(٣) الزيادة أضفناها من « شرح تجريد العقائد » للقوشجي.
(٤) « الأربعين في أصول الدين » ١ : ٣٢٣ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ١٥٠.
(٥) في المصدر و « أ » : « فلا يدفع التقسيم المذكور ».