الإرادة القديمة ، كان موجبا لا قادرا مختارا ، وإن أمكن فإن لم يتوقّف فعله على مرجّح ، استغنى الجائز عن المرجّح ، وإن توقّف عليه ، كان الفعل معه واجبا ، فيكون اضطراريّا. والفرق الذي ذكرتموه في المدلول ـ مع الاشتراك في الدليل ـ دليل على بطلان الدليل ، وإنّما يندفع النقض إذا بيّن عدم جريان الدليل في صورة التخلّف.
وقال صاحب المواقف : في هذا الردّ نظر ؛ فإنّ مآل ما ذكر ـ من الفرق بين إرادة العبد وإرادة البارئ تعالى ـ إلى تخصيص المرجّح في قولنا : ترجيح فعله يحتاج إلى مرجّح ، بالمرجّح الحادث ، فيصير الاستدلال هكذا : إن تمكّن العبد من الفعل والترك ، وتوقّف الترجيح على مرجّح ، وجب أن لا يكون ذلك المرجّح منه ، وإلاّ لكان حادثا محتاجا إلى مرجّح آخر ، ولا يتسلسل بل ينتهي إلى مرجّح قديم لا يكون من العبد ويجب الفعل معه ولا يكون العبد مستقلاّ فيه.
وأمّا فعل البارئ ، فهو محتاج إلى مرجّح قديم يتعلّق في الأزل بالفعل الحادث في وقت معيّن ، وذلك المرجّح القديم لا يحتاج إلى مرجّح آخر ، فيكون تعالى مستبدّا مستقلاّ في الفعل ، وحينئذ لا يرد النقض ويتمّ الجواب (١).
أقول : محصول الفرق أنّ المرجّح في فعل العبد يجب أن لا يكون صادرا عنه قطعا ؛ للتسلسل ، بل صادرا عن غيره ، وحينئذ لا يكون العبد مستقلاّ في فعله ، والمرجّح في فعل البارئ تعالى يجب أن يكون صادرا عنه ، فلا يلزم عدم استقلاله في فعله.
وعلى التقديرين يكون الفعل اضطراريّا لازما ؛ لأنّ الفعل مع المرجّح ـ سواء كان صادرا عن الفاعل أو عن غيره ـ يصير واجبا ، والترك معه على التقديرين يصير ممتنعا ؛ لما ذكرنا آنفا.
__________________
(١) « شرح المواقف » ٨ : ١٥١.