وكيف كان ، فالعمدة في الاستدلال على حدوث العالم هو النقل اللبّيّ (١) المطابق للنقل اللفظيّ المذكور الكاشف عن قول الصانع : بأنّي أوجدت العالم حادثا بالحدوث الزائد على الحدوث الذاتيّ المبطل للاجتهاد في مقابل ذلك النصّ الجليّ ، لا ما يقال من أنّ العالم لا يخلو من حركة وسكون وكلّ منهما يقتضي المسبوقيّة بالعدم ؛ لأنّ الحركة عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الثاني ، والسكون عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الأوّل ، وكلّ منهما يقتضي المسبوقيّة والثانويّة ؛ فإنّ ذلك لا يخلو من مناقشة من جهة عدم تماميّته في نفس الزمان والمكان ونحو ذلك.
فإن قلت : يلزم من توقّف الحدوث المتنازع فيه على الشرع الدور المحال كما توهّمه بعض الفضلاء.
قلت : إثبات الشرع غير موقوف على الاختيار والحدوث الذي قلنا به ؛ لكفاية الحدوث والاختيار بالمعنى المتّفق عليه بيننا وبين الحكماء فيه كما لا يخفى.
وكيف كان ، فالعقل أيضا يوافق النقل المذكور من جهة أنّ وقوع جزأي القدرة والإخبار به أدخل في صحّة الاعتقاد ، فهو راجح يجب على الصانع اختياره.
والظاهر أنّ ما ذكرنا هو مراد الطبرسيّ ممّا ذكره في مجمع البيان (٢) ـ على ما حكي عنه ـ من الزمان التقديريّ ، بمعنى أنّا لو فرضنا وقدّرنا قبل حدوث العالم زمانا آخر ، لم يكن العالم ثابتا فيه ، وكان الواجب تعالى كائنا فيه بالمعنى الذي يقال الآن : إنّه تعالى موجود ، فيتصحّح معنى حدوث العالم ، ومعنى « كان الله ولم يكن معه شيء » (٣) بمعنى أنّه حادث بالحدوث الزمانيّ بالزمان التقديريّ من دون حاجة
__________________
(١) انظر « التوحيد » للصدوق : ٣٠٠ ذيل ح ٧ من باب إثبات حدوث العالم ؛ « المطالب العالية » ٤ : ٣٠٩ ؛ « نهاية المرام » ٣ : ١٥ ؛ « شرح المواقف » ٧ : ٢٢٢ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ١١١ ـ ١١٤.
(٢) « مجمع البيان » ٩ : ٣٨٢ ذيل الآية ٣ من سورة الحديد (٥٧).
(٣) مرّ تخريجه في ص ٥١ هامش ٤.