بإيجاد العالم على وجه التأخير بالنسبة إلى أوّل مرتبة من مراتب الوجود بفصل مراتب عديدة ولو لمصلحة خفيّة تكشفها الشريعة إن لم نقل بأنّه يقتضيه كما أشرنا ، مضافا إلى أنّ الدهر ليس زمانا تقديريّا كما لا يخفى.
وممّا يدلّ على هذا المطلب ما روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام في بعض خطب نهج البلاغة من قوله عليهالسلام : « فإنّه يعود سبحانه بعد فناء العالم وحده لا شيء معه كما كان قبل ابتدائها ، كذلك يكون بعد فنائها ، بلا وقت ولا مكان ، ولا حين ولا زمان. عدمت عند ذلك الآجال والأوقات ، وزالت السنون والساعات ، فلا شيء إلاّ الله ». (١)
وهذا ظاهر في نفي ما عدا ما ذكرنا كما لا يخفى ، ومبطل لما حكي عن بعض المتصوّفة أنّه لمّا سمع الحديث المشهور ، قال : « الآن كما كان » (٢) كما لا يخفى أيضا ، ودالّ على إنّيّة الزمان كما هو المعلوم بالوجدان وإن اختلف في ماهيّته (٣) أنّه جوهر ليس بجسم ولا جسمانيّ ، واجب بذاته كما عن بعض ، أو هو المعدّل كما عن آخر ، أو الحركة كما عن آخر ، أو مقدار الوجود كما عن أبي البركات ، (٤) أو مقدار الحركة كما عن أرسطو والمتأخّرين. والظاهر أحد الأخيرين.
__________________
(١) « نهج البلاغة » : ١٣٧ ، الخطبة ١٨٦.
(٢) هو أبو القاسم الجنيد البغداديّ على ما في « شرح فصوص الحكم » للخوارزميّ : ١٤٢ و « نصوص الخصوص في شرح الفصوص » : ١١٩.
ونسبه المولى علي النوري إلى أبي إبراهيم موسى الكاظم عليهالسلام في هامش « شرح فصوص الحكم » لابن التركة ١ : ٧٠١.
(٣) للاطّلاع على الأقوال حول ماهية الزمان انظر : « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ١٤٨ ؛ « النجاة » : ١١٥ ـ ١١٨ ؛ « التحصيل » : ٤٥٣ ـ ٤٦٣ ؛ « المعتبر في الحكمة » ٢ : ٦٩ ؛ « المباحث المشرقية » ١ : ٧٥٥ ـ ٧٦٨ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٩٤ ؛ « نهاية المرام » ١ : ٣٢٩ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ١١٥ ـ ١١٨.
(٤) « المعتبر في الحكمة » ٢ : ٦٩ ـ ٧٠ ، وعنه في « المطالب العالية » ٥ : ٥١ و « نقد المحصّل » : ١٣٨ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ١٤٤.