وهذا لا يكون إلاّ في المادّيّات ؛ لأنّ المجرّدات جميع صفاتها حاصلة لها بالفعل ، والمراد من الثاني أن يكون الذات والصفة ـ كلتاهما ـ داخلتين تحت مفهوم « ما بالقوّة » وهذا المعنى شامل للمادّيّات والمجرّدات ؛ إذ كلّ ممكن بما هو ممكن ومن حيث ذاته لا يكون إلاّ بالقوّة. ومراد المستدلّ هو الثاني.
ثمّ قال : « ثمّ أقول : يمكن أن يقال : معنى قول المصنّف : « والواسطة غير معقولة » هو أنّ استناد صدور العالم الحادث إلى الواسطة القديمة إنّما يصحّ بإرادة مفوّضة إليها ، مستندة إلى ذاتها بالاستقلال ؛ إذ لو لم يكن الإرادة مفوّضة إليها ، مستندة إلى ذاتها ، بل مستندة إلى الواجب الموجب بالمفروض ، استحال صدور الحادث عنها لا محالة ، والتفويض والاستقلال بالتأثير من الممكن باطل غير معقول » (١).
وظنّي أنّ هذا توجيه وجيه. ويمكن بعيدا أن يكون هذا هو مراد المحشّي رحمهالله ، فتأمّل.
وقد يوجّه (٢) قول المصنّف بتوجيهات :
منها : أنّه ردّ لما قد يقال : إنّ الواجب واسطة بين الموجب والمختار ؛ لأنّ المراد بالإيجاب هو ما نعلمه من الطبائع وهو منفيّ عنه تعالى لا محالة ، والمراد بالاختيار هو ما نعلمه من الحيوان ـ مثلا ـ وهو أيضا منفيّ عنه تعالى ؛ لكون اختيار الحيوان ممكنا واختياره يجب أن يكون واجبا ، فهو واسطة بين الموجب الذي نفهمه وبين المختار الذي نفهمه ، فأشار المصنّف إلى أنّه لا معنى للواسطة بين الموجب والمختار ؛ إذ المختار ما يكون فعله باختياره سواء كان اختياره واجبا أو ممكنا ، ألا ترى أنّ صفاته تعالى ليست كصفاتنا ، ولا يلزم ثبوت الواسطة ، فكذلك الاختيار أيضا.
__________________
(١) انظر : « شوارق الإلهام » : ٥٠٤ ، وقد ذكر هنا ما يقرب من هذا الكلام.
(٢) حول التوجيهات المذكورة على كلام المحقّق الطوسي انظر : « كشف المراد » : ٢٨١ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠ ؛ « شوارق الإلهام » : ٥٠٣ ـ ٥٠٤ ؛ « الحاشية على إلهيّات الشرح الجديد » للأردبيليّ : ٤٣ ـ ٤٩ ؛ « حاشية الخفري على إلهيّات شرح القوشجي » الورقة ٥ ، مخطوط.