على هذا التحقيق ، كأن يقال : إنّ هذا جواب عن سؤال مقدّر ، وهو أنّ معترضا يعترض بأنّه بقي احتمال آخر وهو أنّه يجوز أن لا يكون الواجب جلّ شأنه موجبا بالإيجاب الذي للطبائع ، ولا موجبا بالإيجاب الذي بالنظر إلى الإرادة والاختيار ، فلا يكون موجبا ولا مختارا ، بل يكون واسطة بينهما ، فيكون موجبا بإيجاب آخر بينهما.
فأجاب بأنّ الواسطة غير معقولة. ووجه عدم المعقوليّة هو أنّه إن لم يكن له شعور وإرادة واختيار في فعله فيكون كالطبائع ، وإن كان له شعور وإرادة واختيار في فعله فيكون مختارا.
وأيضا سيجيء البرهان على إثبات القدرة والاختيار له جلّ شأنه ، فلا معنى للواسطة أصلا.
ويمكن حمل كلام المصنّف على وجه آخر وهو أنّ هذا ردّ على القول بأنّ النزاع بين الحكماء والمتكلّمين في أمرين : أحدهما في الإيجاب والاختيار.
وثانيهما في القدم والحدوث.
وحاصل الردّ هو أنّ الإيجاب الذي للطبائع منفيّ عنه جلّ شأنه بإجماع العقلاء وإثبات القدرة والاختيار ، والإيجاب بسبب الإرادة والاختيار مشترك بين الحكماء وأكثر المتكلّمين ، والواسطة بين الإيجاب الذي للطبائع وبين الإيجاب الذي بالإرادة والاختيار غير معقولة ، فلا يتصوّر النزاع في الإيجاب ، فبقي أن يكون النزاع منحصرا في قدم العالم وحدوثه ، فالنزاع بين الحكماء والمتكلّمين ليس إلاّ في قدم العالم وحدوثه ؛ لأنّ الواسطة غير معقولة.
وهذا توجيه وجيه موافق لما ذكره المصنّف قدسسره في شرح الإشارات من أنّه لا نزاع بين الحكماء والمتكلّمين في إثبات القدرة والاختيار للواجب جلّ شأنه ، بل النزاع بينهما في قدم العالم وحدوثه (١).
__________________
(١) « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٨١ ـ ٨٢.