الأصل والأمارة لم تردا في آية أو رواية لنأخذ بتفسيرهما بأي شكل كان بل هما مصطلح اصولي ، فالأصل مصطلح يراد به كل دليل لا يصلح أن يثبت اللوازم الشرعية (١) ، والامارة مصطلح يراد به كل دليل يصلح لإثبات ذلك ، وما دام الأمر كذلك فلا بدّ من تفسير الأصل والامارة بشكل يوضح لنا نكتة صيرورة الامارة صالحة لاثبات اللوازم غير الشرعية دون الأصل.
والميرزا وإن اعتقد أنّ الفرق الذي تقدّم به يصلح أن يكون وجها لحجّيّة الامارة في إثبات اللوازم غير الشرعية بخلاف الأصل ـ حيث ذكر في وجه ذلك انّ المجعول في خبر الثقة إذا كان هو العلمية فالثقة متى ما أخبرنا بشيء صرنا وكأنّنا عالمون به ، وإذا صرنا عالمين به ثبتت اللوازم غير الشرعية لأنّ من علم شيئا فقد علم بلوازمه ، فمن علم بحياة ولده فقد علم بنبات لحيته ، وهذا بخلافه في الاصول العملية فإنّه ليس المجعول فيها العلمية حتّى يلزم فيها ثبوت اللوازم ـ ولكنّه باطل لما مرّ في القسم الأوّل من الحلقة ص ٧٢ من انّ قاعدة من علم بشيء
__________________
(١) فمثلا إذا كان لك ولد غاب عنك وعمره عشر سنوات ونذرت ان لحيته متى ما نبتت تصدّقت على الفقير بدرهم فإذا مضى على غيبته عشرون سنة ثمّ شككت في بقائه على قيد الحياة وبالتالي شككت في نبات لحيته ففي هذه الحالة لو أخبرك الثقة بعد عشرين سنة ببقائه على قيد الحياة ثبت بإخباره حياة الولد وثبتت بذلك اللوازم غير الشرعية وهي نبات اللحية ومن ثمّ يثبت وجوب التصدّق. هذا كلّه في حالة إخبار الثقة بحياة الولد.
وأمّا لو أجريت استصحاب الحياة فلا يثبت بذلك نبات اللحية ومن ثمّ لا يجب التصدّق.
اذن الامارة حجّة في إثبات الحياة وفي إثبات نبات اللحية الذي هو لازم غير شرعي ـ وإنّما لم يكن نبات اللحية لازما شرعيا لأنّه لا توجد آية ولا رواية تقول إذا بقي الولد حيّا بعد عشرين سنة فلحيته نابتة ـ بينما الأصل ليس حجّة في إثبات نبات اللحية