وامّا بالنسبة إلى الأمر الثاني فقد سبق مفصّلا في الحلقة الثانية ص ٣٢٧ انّه قد يدّعى وجود قرينة تقتضي اختصاص الحديث بالشبهة الموضوعية وهي قرينة وحدة السياق ـ بأن يقال ان الفقرات السابقة ناظرة إلى الموضوع الجزئي فإنّ الخطأ والنسيان وغير ذلك لا تتصوّر إلاّ في الامور الجزئية فالإنسان قد يخطأ أو يكره على الخمر الخارجي فيشربه ولا يتصوّر ذلك في الأشياء الكلّية.
وقد تقدّم الجواب عن هذه القرينة في الحلقة الثانية أيضا (١).
وتقدّم في الحلقة الثانية أيضا انّه قد يقال بوجود قرينة تقتضي اختصاص الحديث بالشبهات الحكمية (٢)
__________________
(١) وحاصله أنّ كلمة « ما » اسم موصول ومستعملة في معنى واحد وهو مفهوم الشيء ، غاية الأمر انّ مصداق الشيء قد يكون تارة أمرا جزئيا كما هو الحال بالنسبة إلى غالب الفقرات واخرى كليا كما هو في فقرة لا يعلمون ، وواضح انّ اختلاف المصداق لا يعني اختلاف المعنى المستعمل فيه. وقد تقدّم منّا الإشارة إلى ذلك في بداية حديثنا عن المرحلة الثالثة
(٢) وتلك القرينة هي أنّ ظاهر الحديث انّ « ما » هو الذي لا يعلم وليس غيره حيث قيل « ما لا يعلمون » ، ومعه فلا بدّ من تفسير « ما » بمعنى يكون ذلك المعنى غير معلوم حقيقة ، وواضح انّه لو فسّرنا « ما » بالتكليف صدق عليه انّه غير معلوم بينما لو فسّرناه بالموضوع الخارجي أي بالسائل الخارجي المردّد بين كونه خمرا أو ماء فلا يكون نفس « ما » شيئا غير معلوم إذ السائل الخارجي يعلم انّه سائل خارجي وإنّما الذي لا يعلم هو شيء آخر وهو كونه خمرا.
وإن شئت قلت : انّ غير المعلوم هو الخمرية بينما المقصود من « ما » هو السائل الخارجي فيحصل تغاير بين المقصود من « ما » وبين غير المعلوم بينما لو فسّر « ما » بالتكليف لما حصل هذا التغاير إذ غير المعلوم هو التكليف والتكليف غير معلوم ، وظاهر الحديث انّ المقصود من « ما » هو بنفسه غير معلوم