والفرق بين هذه الاستصحابات الثلاثة أنّ الأوّل منها ـ وهو استصحاب عدم الحكم الثابت قبل الإسلام ـ استصحاب لعدم التشريع ؛ إذ قبل الإسلام لا تشريع لحرمة شرب التتن جزما فإذا شكّ في تشريع حكم بعد الإسلام استصحب عدم التشريع ـ أي عدم الجعل فإنّ التشريع عبارة اخرى عن الجعل ـ بينما الثاني منها استصحاب لعدم الحكم الفعلي ، أي استصحاب لعدم المجعول حيث نقول هكذا : انّ الإسلام حتّى لو فرض انّه شرّع حرمة شرب التتن فهي غير فعلية قبل البلوغ ، فإنّ الأحكام تصير فعلية بالبلوغ ، ولا يمكن أن نستصحب عدم التشريع إذ لا نجزم بعدم ثبوت تشريع الحرمة قبل البلوغ بل هي محتملة وإنّما المجزوم به هو عدم فعلية الحرمة.
وهكذا الأمر في الاستصحاب الثالث ، أي انّ المستصحب هو عدم الحكم الفعلي فإنّ الذي نجزم به قبل يوم الجمعة هو عدم الوجوب الفعلي لصلاة الجمعة لا عدم تشريع الوجوب فإنّ من المحتمل ثبوت تشريع وجوب الجمعة قبل يوم الجمعة.
والخلاصة من كل هذا : انّ الاستصحاب في الشكل الأوّل استصحاب لعدم الجعل الثابت قبل الإسلام ، وفي الشكل الثاني استصحاب لعدم المجعول الثابت قبل البلوغ ، وفي الشكل الثالث استصحاب لعدم المجعول الثابت بعد البلوغ وقبل تحقّق الشرط.
__________________
ـ يوم الجمعة؟
والجواب : نحن فرضنا أنّ ثبوت الوجوب لصلاة الجمعة زمن الغيبة مشكوك ، أي فرضنا أن أصل جعل الوجوب زمن الغيبة مشكوك