وأمّا إذا فرض انّ الاصول لم تتعارض فالعلم الإجمالي لا يكون منجزا ، كما لو فرض انّا نملك انائين أحدهما خمر والآخر ماء وعلمنا إجمالا بوقوع نجاسة في أحدهما فيجوز إجراء أصل الطهارة في إناء الماء وبالتالي يجوز شربه ولا يعارضه أصل الطهارة في الإناء الآخر لأنّه خمر ، والخمر نجس جزما لا معنى لإجراء أصل الطهارة فيه.
وباتّضاح هذا نقول : انّ مجموع الشبهات التي بأيدينا وإن كنّا نعلم إجمالا بحرمة بعضها إلاّ أنّ هذا العلم الإجمالي ليس منجزا لأنّ كثيرا من الشبهات وردت فيها آيات وروايات تبيّن الحكم الثابت فيها ، فالخمر مثلا وردت فيه آية تدلّ على حرمته والكلب وردت فيه آية كذلك و ... وبعضها اتّضح الحكم فيه بالاستصحاب كالشكّ في بقاء وجوب صلاة الجمعة زمن الغيبة فإنّه ببركة استصحاب الوجوب إلى زمن الغيبة يثبت الوجوب.
إذن هناك شبهات كثيرة ثبت حكمها بالآيات أو الروايات أو الاستصحاب. ومثل هذه الشبهات لا يجري فيها أصل البراءة للعلم بحكمها من الطرق المذكورة ، ومع عدم جريان البراءة فيها فالقسم الباقي من الشبهات الذي لم ترد فيه آية ولا رواية ولا استصحاب لا محذور من إجراء البراءة فيه لأنّه لا يوجد علم إجمالي بثبوت الحرمة فيه.
وبذلك يثبت إنّ كل شبهة ليس فيها آية ولا رواية ولا استصحاب فلا مانع من جريان البراءة فيها ، وهو المطلوب ، إذ مطلوبنا إثبات انّ أصل البراءة يجري في الشبهة التي لا يوجد دليل على تحريمها ، وذلك ثابت بعد انحلال العلم الإجمالي.
ويسمّى مثل هذا الانحلال بالانحلال الحكمي لأنّ العلم الإجمالي لم يرتفع حقيقة من النفس وإنّما ارتفعت منجزيته فقط بسبب عدم تعارض الاصول فإنّ